الجمعة، يوليو 08، 2011

مستقبل صناعة الحواسيب الشخصية

تطورت أجهزة الحواسيب الشخصية تطوراً كبيراً منذ عام 1970 حيث قامت شركة هيولت باكارد (Hewlett Packard) الأمريكية حينها لأول مرة بتصنيع أول حاسوب مكتبي يمكن وضعه على الطاولة والذي شمل لوحة مفاتيح وشاشة تظهر سطراً واحداً من النص فقط. قارن ذلك بالحواسيب اليوم والتي تأتي بمختلف الأحجام والأشكال والألوان والمميزات تهدف جميعها إلى إرضاء مختلف المستهلكين وإشباع حاجاتهم الفنية المتباينة. الغريب في الأمر أن التعدد الكبير في هذه الأجهزة وتقارب مزاياها وتشابه نمط المستهلكين المستهدفين من الأجهزة جعلنا اليوم نحتار عند الرغبة في الشراء بل وأحياناً نقوم بشراء أكثر من جهاز في آن واحد. فهناك مستهلكين يمتلكون أجهزة حواسيب مكتبية (Desktop) في البيت وحواسيب محمولة (Laptop) لأغراض العمل والتجوال ويمتلكون جهاز لوحي (Tablet) عند الرغبة في بعض الترفيه أو لمتابعة الأخبار والرد السريع على البريد الإلكتروني بالإضافة طبعاً إلى هواتفهم الذكية القادرة على عمل الكثير من الأعمال السابقة. كل هذا التطور في الكم والكيف يجعلنا نتسائل عن مستقبل الحواسيب الشخصية بعد عشر أو عشرين سنة من الآن، هل سيختلف الشكل والمضمون بإختلاف أذواق الناس أم أن شركات التقنية سترسم لنا شيئأ جديداً كما هو الحال في الأجهزة اللوحية اليوم؟

دشنت شركة جووجل في منتصف هذا الشهر شكلاً جديداً من الحواسيب قائم على نظام تشغيلها الجديد (Google Chrome OS) والذي أشرنا إليه في مقالة سابقة بعنوان "جووجل تهدد مايكروسوفت في عقر دارها". الجديد في هذا الجهاز هو نظام التشغيل والذي يعمل في كل شيء تقريباً على تقنية حوسبة السحاب. فالجهاز لا يحتوي على أكثر من متصفح للإنترنت ومشغل للوسائط بحيث تكون الإنترنت هي الوسيلة لقضاء الأعمال وللوصول إلى أي شيء نريد. لذلك يعتبر هذا الجهاز بلا فائدة تقريباً إذا لم تتوفر خدمة الإنترنت للزبون. فالفكرة هنا هي قيام المستهلك بالأعمال الحوسبية وتخزين الملفات عن طريق الإنترنت بما يشمل كذلك إستخدام برمجيات الويب بدلاً من تثبيت البرامج على الجهاز والتي عادة ما تتسبب في بطئ الأجهزة بعد فترة زمنية ناهيك طبعاً عن المخاطر الأمنية بأنواعها وما أكثرها. الجميل في تقنية حوسبة السحاب هو قدرة المستخدم على الوصول إلى ملفاته الشخصية وبرمجياته المفضلة بإستخدام أي جهاز حاسوب شخصي كما لو كان يستخدم جهازه الخاص شريطة توافر خدمة الإنترنت طبعاً. أي أن عند ضياع أو سرقة الجهاز، كل ما علينا فعله هو شراء جهاز آخر والتواصل مع كل ملفاتنا وبرمجياتنا كما في السابق لأنها أصلاً غير مرتبطة بالجهاز بل موجودة في الإنترنت من خلال تقنية حوسبة السحاب. ليس ذلك فحسب، فحتى عملية تحديث البرمجيات ونظام التشغيل والتي يعاني منها مستخدمي نظام ويندوز مثلاً ستختفي تماماً كون أن البرمجيات سيتم تحديثها بشكل آلي في الإنترنت وفي حواسيب الشركات المطورة بعيدة كل البعد عن أجهزة المستخدمين. أي يمكننا اليوم أن نعمل على نسخة من أحد البرمجيات وغداً نفتح جهازنا لنعمل على النسخة الجديدة دون أدنى جهد أو وقت في تنزيل وتثبيت النسخة الجديدة.

عند النظر في تطور الحواسيب وفي إستخدامات أغلب الناس اليوم نجد مجمل عملهم (90%) هو تصفح الإنترنت والبريد الإلكتروني بالإضافة إلى بعض الأعمال التي تحتاج إلى برامج سطح المكتب كحزمة الأوفس من مايكروسوفت مثلاً. المفروض أن تساعدنا هذه الإستخدامات على تحديد نوع الأجهزة الواجب إقتنائها والتي أيضاً قد تساهم في رسم شكل تطور الحواسيب مستقبلاً، ولكن إختلاف أذواق الناس والعامل النفسي الذي قد يجبر المستهلكين على تجربة الجديد من التقنية رغم عدم حاجتهم لها هو ما قد يشجع شركات التقنية إلى تطوير وتصنيع أجهزة الحواسيب الشخصية بالشكل الجنوني الذي نراه اليوم. فكثرة الكم هذه تخدم الزبون في توفير الخيارات وتقليل الأسعار ولكنها قد تسيء أيضاً في خلق بيئة شرائية جنونية بين المستهلكين يسعون فيها لتجربة جديد التقنية بشكل أقرب إلى الإسراف. فهناك من يغير حاسوبه الشخصي المحمول كل عام وهناك كما أسلفنا من يقتني عدة أجهزة تتشابه في مزاياها ناهيك طبعاً عن قطاع أجهزة الهواتف المحمولة اليوم والتي أصبحت تهيمن على عناوين الأخبار التقنية في الدوريات والمجلات المتخصصة بسبب كثرة المعروض وتطورها السريع.

إذا تأملنا في التطور الكبير الذي حدث في قطاع الحوسبة في السنوات القليلة الماضية نستطيع أن نتخيل أن سرعة الأجهزة ستصل بعد عقد من الزمان إلى مالا يقل عن 20 ميجاهيرتز وستزيد السعة التخزينية للأجهزة (Hard Disk) بشكل كبير مما سيجعلها تقاس بالتيرابايت (Terabyte) أو ربما بالبيتابايت (Petabyte) وستندمج الإنترنت في كل تفاصيل الحياة تقريباً بما يشمل جميع الأعمال التجارية والحكومية وكذلك الأعمال الإجتماعية والشخصية. الأمر الذي يعد بإزدهار تقنية الحوسبة المنتشرة (Ubiquitous Computing) وحوسبة المحيط (Ambient Computing) وغيرها من التقنيات التي تعتمد على زرع قدرة الحوسبة والإتصال والتخزين في كل شيء حولنا. فقد أصبحنا اليوم نرى بزوغ شمس هذه التقنيات من خلال بعض المبادرات الفنية الجديدة كالبيوت الذكية (Smart Home) وأجهزة المنزل الذكية (Smart Appliances) وغيرها. الشاهد هنا أننا سنعتاد أن نرى التقنية في كل شيء حولنا بحيث سيصبح الجماد كالمفروشات ومواد البناء بأنواعها ووسائل النقل بجميع أجزائها وكل شيء حولنا ذكياً يمكن التواصل معه وإعطائه الأوامر مما سيجعل الحواسيب المكتبية تختفي تدريجياً لتحل مكانها الأجهزة المحمولة الذكية بجميع أنواعها القادرة على التواصل مع معظم الأشياء حولنا.


هناك تعليق واحد: