نبارك لكم مقدما إخواني وأخواتي القراء حلول شهر رمضان الفضيل سائلين
المولى عز وجل أن يعيده علينا وعلى قائدنا المفدى والأمة الإسلامية أجمع
باليمن والخير. للأسف اقترن حلول شهر رمضان هذه الأيام بحلول العروض
التجارية بأنواعها مما جعل العديد من الناس ينشغلون بهذه العروض عن ما هو
أهم من ذلك وهو التفرغ للعبادة والتفكر في فوائد الصوم المادية والمعنوية.
فهناك العروض الخاصة بأنواع الطعام وهناك العروض الخاصة بمستلزمات البيت
لكثرة العزائم التي نحسن الظن ونعتقد أنها لوجه الله وليس للتباهي والإسراف
في الأكل. وهناك أيضا عروض السيارات وما أكثرها، ليس ذلك فحسب فحتى
المسلسلات الرمضانية باتت تروج لنفسها إعلاميا لتحظى بنسب مشاهدة أكبر. نعم
إخواني القرّاء فالمسلسلات أصبحت تدر الأرباح الكبيرة على القنوات
والمنتجين والممثلين وجميع العاملين بها. فقد كنت في زيارة لإمارة دبي
الأسبوع الماضي وتفاجأت بالإعلانات التي ملأت الشوارع، ليست لمنتجات تقنية
أو خدمات تجارية وإنما لمسلسلات وممثلين سيشاهدهم معظم الناس في رمضان من
خلال البرامج والمسلسلات التلفزيونية التي ستعرض في مختلف القنوات. الأمر
الذي يجعلنا نتساءل عن أسباب الثقافة الاستهلاكية التي أصبحت سائدة ومقرونة
بالشهر الفضيل وما إذا كان علينا أن ندعمها أو نحاربها؟.
للأسف أصبحت اليوم مناسباتنا الاجتماعية والدينية تمارس بأسلوب ونظام اجتماعي غالبا ما يثقل كاهل الناس. فهناك أفعال ابتدعها بعض الناس وأصبحت عادة بمرور الوقت وهناك وجبات لا نراها كثيرا إلا في رمضان. فأصبحت المائدة الرمضانية لا تخلو من شراب (الفيمتو) أو (التانج) اللذين اصبحا ينافسان مشروبنا التقليدي اللبن بشكل كبير. ناهيك طبعا عن الإسراف في المأكولات بحيث اصبح رمضان للكثير من العوائل شهرا للطعام وليس للصيام. فكم من الناس الذين يتناولون وجبة الإفطار، تليها وجبة العشاء وبعد ذلك وجبة السحور في غضون اقل من ست ساعات. قارن ذلك بأيام الفطر والذي نتناول فيها وجباتنا الثلاث خلال 16 ساعة. لذلك ليس بالمستغرب أن يزيد عدد المراجعين في المراكز الصحية وعدد الانتكاسات الصحية في هذا الشهر. اضف إلى ذلك أن عمليات الصرف لا تنتهي ببداية الشهر بل تستمر إلى ما بعد عيد الأضحى. فبعد انتصاف الشهر الفضيل يبدأ الكثير من الناس بالتحضير لمستلزمات العيد بدلا أن يشمروا السواعد للعشر الأواخر. فالمساجد ملأى في العشر الأوائل وشبه خالية في العشر الأواخر للتسوق لملابس العيد وأنواع الطعام والذبيحة ولربما عمدت بعض الأسر لشراء مفروشات جديدة لاستقبال المهنئين، ناهيك طبعا عن الإكسسوارات الأخرى كالهواتف النقالة وأنواع الهدايا. وما أن ينتهي العيد إلا ونبدأ بالتحضير للعيد الأضحى وهلم جرا. كل ذلك جيد وحميد ما لم نبالغ في الاستهلاك أو ننافي المثل القائل «مد رجولك على قد لحافك». فهل يا ترى السبب هنا يكمن خلف المؤسسات التجارية وعروضها المغرية، أم في انفسنا ومجتمعاتنا التي مالت إلى حب الاستهلاك؟.
لا يختلف اثنان اليوم بأن المؤسسات التجارية تساهم بشكل كبير في إيجاد
البيئة الاستهلاكية في المجتمعات بما يخدم مصالحها (الضمير المتصل يعود على
المؤسسات). فالهدف هنا هو تعزيز نسب الأرباح بطرق قد تكون شرعية ولكنها
للأسف ليست بالضرورة أن تكون أخلاقية. لذلك وجب الفصل والتفريق بين القضايا
الأخلاقية والقضايا الشرعية أو القانونية، فليس كل ما هو غير أخلاقي غير
قانوني. انظر مثلا إلى تذمر الكثيرين من بعض المسلسلات والقنوات التي لا
تحترم أخلاقنا الإسلامية طوال العام ناهيك عن عدم مراعاتها لحرمة الشهل
الفضيل وما قد يبث فيه من سموم. فهذه القنوات تبث بشكل شرعي وقانوني من دول
إسلامية بالرغم من إجماع العلماء على رفض وتحريم محتواها غير الأخلاقي.
فالشاهد أن المؤسسات باتت تحترم القانون أكثر مما تحترم الأخلاق والعادات
والأعراف إلا ما ندر، خصوصا عندما تصاغ القوانين بشكل منفصل عن الأخلاق
والأعراف الأصيلة. لذلك أرى أن المخرج هنا يكمن في المستهلك أو المشاهد أو
في دعوة الجهات المعنية في إعادة صياغة القوانين بما يتناسب من قيمنا
الإسلامية وعاداتنا الأصيلة. فأرباح المؤسسات تأتي من المستهلكين والذين هم
اقدر على فرض قيمهم عن غيرهم. فالمؤسسات تعمد الى توفير ما يريده المستهلك
بشكل قانوني أشبه بمفهوم ما يطلبه المستمعون. أما المستهلكون فقد لا يوافق
اكثرهم على هذه المنتجات أو العروض ولكنهم باتوا عاجزين عن كبح جماح
أنفسهم عن المشاهدة أو الشراء (إلا من رحم ربي). فأصبحت النفوس ضعيفة
والمغريات شديدة، فهذه دعوة للجميع باستثمار رمضان القادم بشكل افضل مما
مضى، فلعلنا لا نصادف رمضان آخر.