مبارك عليكم أخواني القرّاء حلول شهر رمضان الفضيل، شهر الصيام والقرآن والقيام، الذي أنعم الله به علينا لنيل مغفرته ورضوانه، وحتى نستطيع أن نستدرك ما فاتنا من خير ونعيد جدولة حساباتنا وأعمالنا التي ربما قد شابتها حياة العولمة التي نعيشها اليوم. نسأل الله العلي القدير أن يعيد هذا الشهر علينا وعلى قائدنا المفدى وعلى الأمة الإسلامية أجمع بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام (آمين). نلاحظ أخواني القرّاء إزدياد تنافس الناس والشركات والمؤسسات المختلفة في هذا الشهر الفضيل كلٌ في مجال تخصصه وإهتماماته. فهناك تنافس واضح على صروف الخير المختلفة، كالتبرعات الخيرية والمساعدات المادية والعينية والمحاضرات التوعوية وغيرها. وهناك تنافس تجاري بين مختلف المؤسسات التجارية من خلال العروض الشرائية المختلفة والتي ينتظرها الكثير من الناس رغم تشكك البعض في مصداقيتها. وهناك أيضاً وللأسف الشديد تنافس في أمور أخرى تُخرجنا من نفحات الشهر الفضيل وقد تحرمنا الكثير من الأجر والثواب. سنحاول تسليط الضوء اليوم على بعض التقنيات التي قد يساء إستخدامها في رمضان (وغير رمضان) بقصد أو بدون قصد مما قد يُفوّت علينا أوقاتاً وفرصاً ثمينة نستطيع فيها أن نتقرب إلى الله سبحانه وتعالى وأن نهذّب نفوسنا والتي هي محور نجاحنا في الدنيا والآخرة.
من أكثر التقنيات شيوعاً وإستخداماً خصوصاً في رمضان هي أجهزة التلفاز ومستقبلات القنوات الفضائية (TV Receivers). السبب واضح طبعاً، فالناس يميلون إلى المكوث لأوقات طويلة أمام هذه الأجهزة بسبب الكم الهائل من وسائل (الترفيه) التي تأتي على شكل برامج ومسلسلات ومسابقات تلفزيونية. طبعاً تختلف هذه البرامج من قناة إلى أخرى فهناك ما هو صالح وهناك أيضاً ما هو طالح رغم شيوع الطالح منها والذي لا يتناسب مع أجواء رمضان الإيمانية وقيمنا الدينية وعاداتنا الإجتماعية. ليس ذلك فحسب، فهناك من الناس من يعمد إلى شراء مستقبلات للقنوات الفضائية قادرة على فك تشفير الكثير من القنوات المدفوعة الثمن بشكل غير قانوني طبعاً، بالرغم من الحرمة الواضحة في هذا العمل، حرصاً منه (أو منها) للحصول على أكبر قدر من الترفيه. فشغف الناس لمتابعة هذه البرامج والمسلسلات جعلنا كذلك نشاهد من يوظف تقنيات التسجيل الرقمي وإستراتيجيات إدارة الوقت لعمل جدول زمني بجميع البرامج المراد متابعتها وتسجيلها على مختلف الفضائيات، سعياً منه (أو منها) إلى أن لا يفوته حلقة أو حتى نصف حلقة، وحتى يستطيع ربما أن ينشر ويشارك بهذه البرامج في منتديات ومواقع الشبكات الإجتماعية في الإنترنت. أما أطفالنا فباتوا يقلدون الكبار في هذا ونراهم اليوم أمام شاشات التلفاز لمتابعة المسلسلات أيضاً والتي هي خاصة بالكبار والقيام بمناقشة أحداثها وربما التعصب لبعض البرامج أو الممثلين بكل ما لذلك من عواقب سلبية على أخلاقهم وصحتهم. كما أصبحت المراقبة الأبوية على مشاهدات الأطفال قليلة ومعدومة في كثير من الأحيان ربما لإنشغال الأبوين بوسائل الترفيه أيضاً، ناهيك عن مشاهدات الأبوين التي تحتاج هي الأخرى أحياناً إلى مراقبة. الأمر الذي جعل شهر رمضان لدى الكثير من الناس وسيلة للترفيه والسهر والنوم، فهل يا ترى هذا ما أراده الله لنا في رمضان؟
من التقنيات التي تستخدم كذلك في الشهر الفضيل وبكثرة هي أجهزة الحاسوب وعالم الإنترنت. فهناك الكثير من محبي عالم التقنية الذين يفضلون قضاء الأوقات الطويلة على أجهزة الحاسوب للإبحار في منتديات الإنترنت المختلفة ومواقعها الإخبارية ومشاهدة وسماع مختلف المقاطع المرئية والسمعية الخاصة بالبرامج التي تبث في شهر رمضان وغيرها. فنراهم يمضون الساعات الطوال على الإنترنت في مختلف الأمكنة كالعمل والبيت ومقاهي الإنترنت وحتى في المطاعم ومجالس السهر الرمضانية. الأمر الذي قد يحرمهم من فرصة الإستمتاع بحضور إجتماعات الأهل والأقارب على موائد رمضان المختلفة. ليس ذلك فحسب، فالإدمان على عالم الإنترنت والحاسوب تجعل الناس إنطوائيين ومحبين للعزلة وأقل رغبة في إجراء المحادثات الودية مع الآخرين. فهناك من يفتقد أبنائه على موائد الإفطار بهذا السبب، وهناك من تشتكي من زوجها القابع أمام شاشة الحاسوب، وهناك من يفتقد أصحابه في حلقات الذكر وغيرهم كثير. فما أحلى الأوقات في رمضان عندما يجتمع فيها أفراد الحي الواحد أو العائلة الواحدة على مائدة الإفطار بعد صوم طويل في إنتظار الأذان يدعوا كل واحد منهم ربه بالمغفرة والقبول والرضوان، ويتناقشون في أمور حياتهم المختلفة مما يزيد أواصر الألفة بينهم. فحذاري حذاري أخواني القرّاء أن نجعل من رمضان الذي هو شهر الصيام والقرآن والقيام والعمل الدؤوب لنيل الثواب الجزيل من المولى القدير، شهراَ للسهر والترفيه وإضاعة الوقت فلعلنا لا ندرك رمضان القادم.