لم يعد عالم المحمول مقتصراً على الأجهزة التي نشتريها فحسب فهناك اليوم العديد من العوامل والعناصر المتداخلة والتي تؤثر في اختيارنا لهذه الأجهزة وفي نجاح الشركات المصنعة لها والشركات الداعمة لشبكات المحمول. فنجاح الهواتف المحمولة سابقاً كان يعتمد على صلابة الإنتاج ومدة الضمان وربما في سعر الجهاز بالمقارنة مع بقية الأجهزة من نفس الفئة. أما اليوم ومع تزايد عدد الشركات المنتجة للأجهزة المحمولة والتي تتنافس في إنتاج أشكال وألوان مختلفة من الهواتف بميزات تتشابه مع بعضها في أغلب الأحيان، بات من الضروري استحداث منظومة جديدة للتنافس تقوم على مبدأ الشراكة والتحالف بدلاً من العمل الفردي. فعند التأمل في تطور الأجهزة المحمولة منذ بدايتها في التسعينات نستطيع الجزم اليوم بأن التنافس في إنتاج أجهزة جديدة بمزايا إبداعية اليوم وصل إلى حد التشبع (تقريباً) بحيث لم يعد الاختلاف بين الأجهزة في مختلف الفئات بالشيء الكبير. نعم هناك تقنيات جديدة ومبادرات مختلفة من بعض شركات التقنية والمؤسسات البحثية كأمثال الجهاز الجديد من شركة أل جي (LG) المسمى بـ (Optimus 3D) والذي يتيح للمستخدم تقنية تصوير الفيديو بشكل ثلاثي الأبعاد وهناك أيضاً الهاتف المخفي من فكرة وتطوير المعهد الألماني (Hasso Plattner) والذي يعتمد على مبدأ التحكم بجهاز الهاتف عن طريق لمس اليدين بدلاً من الهاتف نفسه واختراع المحمول المرن من شركة سامسونج وغيرها كثير من الأفكار الإبداعية الجديدة والتي لا تجد حالياً من يحتضنها أو تواجه بكثير من المعوقات غير الفنية للانتشار. جميع هذه الاختراعات وغيرها هي بداية لموجة من الإبداعات والتي لابد أن تُدعم بعناصر أخرى في منظومة متكاملة تخدم جهات مختلفة تسمى عادة نظام بيئة المحمول (Mobile Ecosystem).
طوّرت بعض كبرى شركات التقنية نظما خاصة بها تعتمد على تعاونات مشتركة مع شركات أخرى منتجة للأجهزة وأخرى مطورة للبرمجيات وشركات تعمل على البنية الأساسية للمحمول والتي عادة ما توفر خدمة الاتصالات اللاسلكية أيضاً. من أشهر بيئات المحمول اليوم بيئة شركة أبل الأمريكية من خلال نظام التشغيل الـ(iOS) وبيئة شركة جوجل ونظامها مفتوح المصدر (Android). فعند شرائنا لجهاز آي فون مثلاً نجد أن توافر البيئة المناسبة للجهاز كالعدد الكبير من البرمجيات المتاحة والكتب المتوفرة من خلال دور النشر والمجلات والصحف من المؤسسات الإعلامية المختلفة بالإضافة طبعاً إلى تكامل الجهاز مع أجهزة الشركة الأخرى كالحاسوب المحمول والحاسوب المكتبي أو حتى تلفاز آبل يضيف ميزة إضافية للجهاز قد تكون السبب الرئيسي وراء شراء المستهلكين للجهاز. أضف إلى ذلك أن الشركة الأم أيضا (آبل) تسعى لعرض هاتفها من خلال تحالفات مع شركات المحمول في بعض البلدان. ففي الولايات المتحدة مثلاً تأتي هذه الأجهزة مغلقة على شبكة محمول واحدة أو أكثر. في المقابل لا يدفع الزبون ثمن الجهاز كاملاً بل ربما فقط ربع الجهاز مع اشتراك في خدمات شركة المحمول لمدة سنة أو سنتين. نجد ذلك واضحاً أيضاً في هواتف الآي فون المتوفرة في الإمارات المتحدة من خلال شبكتي اتصالات ودو، بحيث لا تستطيع شراءهما إلا بعد اشتراكك في خدمات هاتين الشركتين. طبعاً الفائدة هنا واضحة لشركة آبل بحيث تستطيع بيع أكبر كم من أجهزتها بشكل أقرب إلى التقسيط، أما شركات المحمول فهي تكسب من ذلك بقاء المستهلكين على شبكاتها لمدة أطول (ولاء أكبر).
أما هواتف الأندرويد فقد انتهجت فيها شركة جوجل مبدأ البرمجيات مفتوحة المصدر بحيث أصبح بإمكان شركات الأجهزة من أمثال سامسونج وأتش تي سي وغيرها من تعديل نظام التشغيل (عادةً الواجهة) لإضفاء بعض الخصوصية للجهاز. الأمر الذي وفّر على كثير من شركات التقنية الجهد والمال في تطوير نظم بيئة محمول خاصة بها، كما هو الحال مع شركة نوكيا والتي كانت قاب قوسين أو أدنى من استحداث بيئة محمول جيدة باسم (MeeGo) ولكنها آثرت الشراكة مع شركة مايكروسوفت لتطوير تحالف جديد يهدف للارتقاء بأجهزة شركة نوكيا الذكية ونظام تشغيل ويندوز فون 7 من شركة مايكروسوفت.
تعتبر سرعة تطور نظم تشغيل المحمول بالإضافة إلى شيوع انتشار الحواسيب الدفترية بين الناس اليوم هي من أهم سلبيات نظم بيئة المحمول. فمطوري برمجيات الهواتف يرغمون دائماً إلى تحديث برمجياتهم بما يتناسب مع تحديثات نظم التشغيل. أضف إلى ذلك طبعاً تطوير نسخ مختلفة تتناسب مع مزايا وقدرات الأجهزة الأخرى ونقصد هنا الحواسيب الدفترية كأمثال الآي باد وغيرها. فبالرغم من تطور نظام تشغيل الأندرويد اليوم ونجاح الهواتف الداعمة لهذا النظام نجد في الآن نفسه تعثر الحواسيب الدفترية الداعمة للنظام بسبب عدم توفر العدد الكافي من البرمجيات المطورة خصيصاً لهذا النوع من الأجهزة. فعلى سبيل المثال، تم مؤخراً في الشرق الأوسط تدشين جهاز البلاي بوك(PlayBook) من شركة رم (RIM) الكندية المصنعة لهواتف البلاكبيري الذكية والذي يعتبر من أجمل الحواسيب الدفترية التي تم تدشينها إلى الآن. فبالرغم من سلاسة الأداء وتناسق الواجهة والتفوق الواضح على أجهزة الآي باد، إلا أن نقص البرمجيات الداعمة لهذا النوع تسببت في قلة الطلب وعدم تحقيق الجهاز للنجاح المطلوب. الشاهد هنا أن تنافس الشركات لم يقتصر على الأجهزة بل أفرز لنا منظومات جديدة من العمل المشترك يتضمن شركات منتجة للهواتف وأخرى مطورة لأنظمة التشغيل وشركات برمجيات وأخرى مختصة بشبكات المحمول وموفرة للخدمات اللاسلكية. الأمر الذي جعلنا نرى هذا المستوى الجيد في جودة الخدمات بما يخدم المستهلك أولاً وباقي شركات التقنية ثانياً، لذلك علينا أولاً اليوم أن نتساءل عن بيئة الهاتف المحمول قبل السؤال عن المحمول ومزاياه.