يعتبر مشروع الحكومة الإلكترونية في السلطنة من أهم المشروعات التي
نعوّل عليها في دفع عجلة التنمية في البلاد. فالموضوع ليس مجرد نشر للخدمات الإلكترونية
الحكومية بين الأفراد والمؤسسات بأنواعها بل يتعداه لإيجاد مجتمع رقمي قادر على
تقبل وفهم واستخدام التقنية بما فيه المنفعة العامة والخاصة على سواء. فأكثر
مشاكلنا اليوم داخل المؤسسات الحكومية هو في الفكر السائد والثقافة المؤسسية والتي
عادةً ما تأخذ بعداً غير فني. لذلك فنحن نعوّل بشكل كبير على الجيل الحالي من
الشباب والأجيال القادمة لدعم استراتيجية الدولة الرقمية التي صدرت في مارس من عام
2003. الأمر الذي يجعلنا نتساءل عن مستوى الإنجاز الذي وصلنا إليه اليوم بعد مضي
ما يقارب عقد من الزمان منذ اعتماد استراتيجية عمان الرقمية.
نشرت مؤخراً الأمم المتحدة ممثلةً في دائرة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية تقريرها الأخير الذي تقيّم فيه تطبيقات الحكومة الإلكترونية في جميع الدول الأعضاء والذي حققت فيه السلطنة المركز الـ64 عالمياً من أصل أكثر من 190 دولة متقدمةً بمقدار 18 مركزا بعدما احتلت قبل عامين المركز الـ82. يعطينا هذا التقرير تقييما عاما للجهود المبذولة في السلطنة للارتقاء بالخدمات الإلكترونية الحكومية وسرعة التحول إلى مجتمع رقمي والذي أصبح اليوم ضرورة لتنمية مختلف القطاعات الحيوية الأخرى. للأسف لم تتناول معظم وسائل إعلامنا هذا التقرير بموضوعية للوقوف على إخفاقاتنا بقدر حرصها على الإشادة بإنجازاتنا. فأصبحت تروّج إلى أن السلطنة احتلت المركز الـ16 في قطاع المشاركة الإلكترونية وكأنها تحاول تجميل الواقع الذي أراه شخصياً مبشرا في حد ذاته ويعكس حقيقة الجهود الكبيرة المبذولة في ظل الصعوبات الفنية وغير الفنية. فلا داعي للاختباء وراء الأرقام التي لا تعكس الواقع، فترتيبنا الحقيقي في قطاع المشاركة الإلكترونية هو المركز الـ36 بحكم تساوي العديد من الدول في بعض المراكز مما جعل بعضها تحتل المركز نفسه. فماذا أيضًا نستطيع أن نستنج من هذا التقرير؟
استطاعت السلطنة تحقيق المركز الـ32 في التشاور الإلكتروني والـ50 في توفر المعلومات الإلكترونية وفي عمليات اتخاذ القرار باستخدام التقنية، الأمر الذي يشير إلى سعي بعض الوحدات الحكومية للتواصل المباشر مع المواطنين إلكترونيا عن طريق أشهر مواقع التواصل الاجتماعي وبعض المنتديات الإلكترونية المحلية. شخصياً أرى اننا على وشك إحداث طفرة في هذا الجانب خصوصاً عندما يبدأ مركز اتصالات الخدمات الحكومية أعماله والذي تقرر إنشاؤه بموجب التوجيهات السامية لسلطاننا المفدى – حفظه الله ورعاه – ليعمل كأداة لتلقي المرئيات الواردة من مختلف شرائح وقطاعات المجتمع حول الخدمات التي تقدمها الدوائر الحكومية للمواطنين. كما تم تصنيف السلطنة كإحدى أكثر الدول العاملة لتطوير قطاع الحكومة الإلكترونية خلال العامين الماضيين من أصل 41 دولة تحوي كبرى دول العالم. وتم تصنيفها أيضاً كإحدى الدول (من أصل 19 دولة عالمية) التي تستخدم جميع قنوات التواصل (الإلكترونية وغير الإلكترونية) مع المواطنين متقدمة في ذلك على كبرى دول العالم كالولايات المتحدة الأمريكية مثلاً. كما أشاد التقرير بتفعيل السلطنة للتقنية في التواصل مع المستخدين باختلاف قدراتهم البصرية والتي تتيح لذوي الإعاقة البصرية سماع المعلومات المتوفرة على بوابة السلطنة للخدمات الحكومية والإرشادات الواجب عملها بدلا من قراءتها.
من جانب آخر نستطيع من خلال قراءتنا لنتائج هذا التقرير الدولي الإشارة إلى أهم الجوانب الواجب النظر فيها لتحقيق أكبر قدر من الفاعلية في خدماتنا الإلكترونية وبالتالي إلى تحقيق مراكز متقدمة أفضل في الأعوام القادمة. أولاً علينا أن نعلم أننا الدولة الأخيرة في الترتيب من بين دول الخليج العربية التي تتقدمها دولة الإمارات العربية المتحدة في المركز الـ28 عالمياً. لذلك علينا تقييم أدائنا على ضوء إنجازات الدول المجاورة ومحاولة الاستفادة من تجاربهم بما يتناسب مع خصوصيتنا المحلية. ثانياً، ضرورة العمل على تطوير البنية الأساسية لقطاع الاتصالات خصوصاً في توفير خيارات الإنترنت ذي النطاق الواسع في جميع ولايات ومحافظات السلطنة، حيث بلغت نسبة الاشتراكات في الإنترنت السريع الثابت مقدار 1.89 اشتراك لكل 100 نسمة (أقل من 2%). نعم يمكننا وبشكل مؤقت الاعتماد على بنية الاتصالات اللاسلكية التي فاقت اشتراكاتها إجمالي عدد السكان ولكن ذلك يعتبر خيارا للأمد القصير فقط. الأمر الذي يحتم علينا ضرورة تطوير شبكات الألياف البصرية حول السلطنة كخطة استراتيجية داعمة للتنمية. ثالثاً، ضرورة التركيز على مختلف مراحل تطوير خدمات الحكومة الإلكترونية والتي يقسمها التقرير إلى أربع مراحل رئيسية، تبدأ بالوجود الإلكتروني (إنشاء المواقع الإلكترونية) ثم توفير المعلومات المهمة للمستخدمين كمرحلة ثانية وبعد ذلك تطوير التعاملات الإلكترونية كمرحلة ثالثة وتنتهي بإتمام الاندماج الإلكتروني بين الجهات الحكومية كمرحلة رابعة وأخيرة. ما زالت السلطنة تعتبر حسب التقرير أنها في طور تطوير جميع هذه المراحل. فقد استطعنا إكمال ما نسبته 92% من المرحلة الأولى و64% من المرحلة الثانية و48% من المرحلة الثالثة و57% من المرحلة الرابعة محققين ما نسبته 58% من إجمالي مراحل تطوير الحكومة الإلكترونية في البلاد. لذلك علينا اليوم أن نراعي هذه النسب في وضع خطط مستقبلية لتحقيق إنجازات متقدمة في مراحل المشروع بشكل قابل للقياس. فإن كنا مثلاً نهدف لإتمام المشروع في غضون 20 عاماً من اليوم، فنحن نتكلم على ضرورة تحقيق تقدم إجمالي بمقدار 2.1% سنوياً. فإن لم نستطع فلنراجع كفاءة وفاعلية أعمالنا وخططنا بشكل دوري حتى لا نخفق في تلبية احتياجات وتطلعات المواطن ونهدر مصادر الوطن.