ايه يا مشروع الحكومة الالكترونية في السلطنة! سنوات ونحن نسمع اكثر
مما نرى ونتكلم اكثر مما نعمل ونسعى للتنظير اكثر من الواقعية وبعد ذلك نسأل: يا
ترى أين الخلل؟ نظمت هيئة تقنية المعلومات بالامس ندوة بعنوان "خطة التحول
للحكومة الالكترونية" والتي اعلنت فيها عن خطة (جديدة) حازت على اعتماد مجلس
الوزراء وهي باختصار تتميز بتحديد مراحل زمنية على جميع الوحدات والوزارات
الحكومية التقيد بها لنستطيع الوصول بهذا المشروع الى المراحل النهائية في غضون
اقل من 5 سنوات. تلك المراحل التي مكثت كبرى دول العالم عشرات السنين حتى استطاعت
تخطيها، سنحاول نحن ان نقطعها جميعا في مدة قياسية تؤهلنا لدخول موسوعة جينيس.
اعذروني اخواني القرّاء فلست مع جلد الذات ولا احبذ السلبية في التعاطي مع الامور
واعلم بل وكلي يقين بأهمية التفاؤل ولكن ليس لدرجة السذاجة. فقد اعطانا الله
سبحانه وتعالى عقولا نستطيع من خلالها تمييز الصواب من الخطأ خصوصا وان بلدنا
اليوم تحتاج منا وقفة صادقة ونصيحة جريئة بدلا من المجاملات العقيمة التي ساهمت في
تأخير العديد من مشاريع البلاد بحجة "ما نريد نزعل حد".
تشرفت بحضور هذه الندوة والتي بدأت بكلمة للرئيس التنفيذي لهيئة تقنية المعلومات أعانه الله على مسؤولياته، حيث تطرق في كلمته الى وصف الخطة الجديدة بشكل عام مبينا أهم جوانبها. تقتضي الخطة ان تمر جميع الوحدات الحكومية بمراحل التحول الكلي والتي عددها ستة مراحل حسب ما أوصت به منظمة الامم المتحدة في هذا الشأن. طبعا بصفة عامة معظم دوائرنا الحكومية وبعد اكثر من عشر سنين من تدشين هذا المشروع ما زالت في المرحلتين الاولى والثانية واللتين تدوران حول التواجد والتفاعل الالكتروني فقط. حسب الخطة الجديدة على جميع الجهات الحكومية أن تنتقل الى المرحلة الثالثة وهي مرحلة التعاملات الالكترونية خلال عام واحد وبعد ذلك الى المراحل الاخرى الاكثر تعقيدا خلال عامين فقط. بالرجوع الى الوراء نجد ان هذه الخطة الجديدة تتشابه كثيرا مع خطة عام 2003 التي وضعت بعد التشاور مع فريق عمل من شركة الاستشارات جارتنر، وتختلف فقط في وضع المدة الزمنية (غير الواقعية من وجهة نظري) لكل مرحلة كأداة للضغط على الجهات الحكومية. لذلك ولأول مرة منذ بداية المشروع نجد ان القائمين على هذا المشروع ينتهجون مبدأ الثواب والعقاب. ففي السنوات الماضية لم يكن هناك الا اسلوب التحفيز والتشجيع عن طريق الاشادات والجوائز وعلى رأسها جائزة السلطان قابوس للاجادة في الخدمات الالكترونية الحكومية. اما اليوم فهناك مبدأ العقاب (نوعا ما) والذي يتمثل في عمل تقييم سنوي ينتج عنه تقرير مفصل بأداء الوزارات والوحدات الحكومية يرفع لمجلس الوزراء لعمل اللازم ويتم نشره في وسائل الاعلام المحلية.
بعيداً عن المجاملات ومحاولات تجميل
الواقع، لا أرى شخصيا كثير أمل في نجاح هذه الخطة حسب المدة الزمنية الموضوعة لعدة
أسباب احب ان أوجزها هنا. أولا كيف يمكن للخصم ان يكون هو الحكم؟ مع احترامي
الكبير لمجلس الوزراء، فإني ارى ان على مشروع الحكومة الالكترونية ان يدار من قبل
جهة اعلى كالمكتب السلطاني مثلاً ريثما يبدأ المجلس الاعلى للتخطيط دوره المنوط به
بشكل ملموس. فالقائد - حفظه الله ورعاه - قال كلمته في هذا المجال وما علينا الا التنفيذ
حسب خطة زمنية واقعية. لذلك يجب ان ترفع نتائج التقييمات الدورية لهذا المشروع
للمقام السامي (مباشرة) الأمر الذي سيكون له الاثر الأكبر لضمان امتثال المؤسسات
الحكومية لمراحل هذا المشروع. ثانياً، كيف يمكن لنا اليوم وضع خطط استراتيجية
لمشاريع وطنية دون ان نراعي محاذاتها مع الاستراتيجية العامة للدولة؟ الامر الذي
يجعلنا نتساءل عن عمل المجلس الاعلى للتخطيط والذي ننتظر نتاجه بفارغ الصبر. لذلك
ارى ان نسارع في كتابة خطة وطنية استراتيجية بديلة للخطة الحالية (رؤية 2020)
والتي لا اراها صالحة للنقلة النوعية التي تحتاجها البلد اليوم. بعد ذلك يمكن
لجميع الجهات الحكومية ان تبدأ بوضع خططها الاستراتيجية بالتنسيق مع المجلس الاعلى
للتخطيط بما يتناسب مع الاستراتيجية العامة للدولة لنستطيع ان نحكم ليس فقط على
مستوى اداء مشروع الحكومة الالكترونية بل ايضا على مستوى جميع المشاريع الاخرى
والاداء الحكومي بشكل عام. ثالثا، على القائمين على مشروع الحكومة الالكترونية عدم
توقع الكثير من وزرائنا الموقرين اعانهم الله على مسؤولياتهم، فكما أسلفت في مقالة
الاسبوع الماضي لديهم من الاعمال والمسؤوليات والارتباطات ما لا يحسدون عليه. فكيف
يمكن لهم ان يتفرغوا للنظر في امور قد يرونها حاليا غير ذات اهمية أو أولوية بالمقارنة
مع تركة الاعمال الملقاة على عاتقهم خصوصا وان المدة الزمنية الموضوعة هنا قصيرة
جدا؟ لذلك أقترح ان يقوم مجلس الوزراء بتخصيص المصادر المطلوبة لهذا المشروع
بالكامل لهيئة تقنية المعلومات واعطائها الصلاحيات والتسهيلات التشريعية لتنفيذ
جميع الاعمال المطلوبة داخل المؤسسات الحكومية بكل اريحية وسلاسة بالتنسيق مع
اقسام تقنية المعلومات في المؤسسات الحكومية. اخيرا وليس آخرا هو تخفيف الهاجس
الامني من قبل الجهات الامنية في السلطنة. فمن الملاحظ ان من اكثر ما يؤخر
مشاريعنا هو ما يحيطها من تحفظات امنية تتضمن في اغلب الاحيان القيام بالعديد من
الدراسات والابحاث والتي قد تأخذ اشهرا طويلة. فلماذا يا ترى كل هذا التأخير؟ أهو
افتقار للكوادر او عدم قدرة على اتخاذ القرارات في الوقت المناسب؟ الشاهد في الموضوع
أن على جهاتنا الامنية وبقية الجهات احترام عامل الوقت وهو أغلى وأهم ما نملك
حاليا خصوصا ونحن نحاول اليوم ليس فقط تسريع عجلة التنمية في البلاد بل ايضا
محاولة تحقيق مراكز متقدمة في مؤشر التنافسية العالمي نستطيع من خلاله جذب المزيد
من الاستثمارات الدولية وخلق المزيد من فرص العمل.