الأحد، أكتوبر 14، 2012

العمل بين كثرة المهام والإتقان


يعتبر الجانب العملي أو المهني في حياتنا من أكثر ما يشغل بالنا كل يوم والذي يتطلب منا التركيز والاتقان من أجل تحقيق الأهداف المطلوبة بكل كفاءة وفاعلية. للاسف لا يتأتى تحقيق الجودة والفاعلية إلا ان وجد الموظفون البيئة المناسبة والوقت الكافي للعمل. فإن أردت أن تطاع فأمر بالمستطاع، والاستطاعة هنا تكمن في توفر المهارة والمعرفة من جانب الموظف ووجود الادوات المناسبة (بيئة العمل) والوقت الكافي للإنجاز. لذلك نرى الناس في هذا الجانب ينقسمون حسب توفر هذه العناصر بين راغب في العمل ومجد في الطلب وآخر معرض عن العمل ومعظم للسلبيات ومبدع في اختلاق الاعذار. للأسف تعاني كثير من مؤسساتنا الحكومية على وجه الخصوص من قلة النوع الاول وكثرة النوع الثاني مما يضطر المسؤولون لمكافأة الناجحين والمجتهدين في العمل بالمزيد من الاعمال. ليس فقط بسبب ثقة المسؤول في الموظف الناجح ولكن أيضًا لعدم توفر البديل الذي يمكن الاعتماد عليه. قد تكون هذه الفكرة هي فقط في مخيلة المسؤول أو أنها حصيلة النظام الاداري المتبع في المؤسسة والذي عمد بشكل عام لتهميش الكسالى بدلاً من محاولة إدماجهم في جو العمل. الأمر الذي يعتبر مخالفًا لموضوع الجودة في العمل، فكيف يتأتى لأحدنا عمل الكثير في وقت قصير إلا إن كان ذلك على حساب الكفاءة والفاعلية. لذلك استغرب لماذا يتقبل الناجحون معظم الأعمال الاضافية فقط لكونها تدل على ثقة المسؤولين؟ أهي مسألة ترجي لعبارات الثناء والشكر والاشادة بين الزملاء؟ أم انها خاصة بموضوع الترقيات والعلاوات المالية؟

عند التأمل في أسماء كبار المسؤولين في الدولة ومسؤولياتهم نجدهم مشغولين في أعمالهم المهنية حتى الثمالة. فغالبًا ما يكلف هؤلاء ليس فقط بالنظر في مهام عملهم بل يتعدى ذلك لشغل مناصب أخرى في لجان وطنية ومجالس ادارة لمؤسسات وشركات حكومية وخاصة على سواء. فلا أدري كيف يمكن لهم التوفيق بين أعمالهم الرسمية وبين مهام هذه اللجان والتي عادة ما ترتبط بتقارير ومحاضر أعمال تحتاج أحيانًا لايام للقراءة والتحضير؟ أليس من الصعب على من يفتقر للوقت الكافي وربما للمعرفة احياناً أن يصل بأعمال هذه اللجان ومجالس الادارة الى مستوى الاتقان والجودة المطلوبة؟ أعلم أن هناك مجالس ادارة (خصوصًا في الشركات التجارية) من يعمد لجمع الاسماء اللامعة شكليًا في محاولة لزيادة رأس المال الاجتماعي للشركة، ولكن حديثي هنا عن الجهات الحكومية والمسؤولين فيها، أفلا يوجد في البلد غيرهم؟ أليس من الأفضل أن نعينهم على أعمالهم الرسمية بتفريغهم لها؟ فقد أصبحنا نجد الأسماء نفسها تمثل الجهات الحكومية في أكثر من موقع، أهو بسبب أن معظم الأعمال المشتركة بين الجهات الحكومية لا يبت فيها إلا كبار المسؤولين؟ وماذا عن بقية اللجان ومجالس الادارة التي لا تربطها صلة كبيرة بمهام عمل معظم الأعضاء؟ لماذا لا يعمد معظم هؤلاء إلى رفض المهام الجديدة أو الاتكال على غيرهم من ذوي الاختصاص والمعرفة ممن يتوفر لديهم الوقت الكافي في تمثيل مؤسساتهم في هذه اللجان ومجالس الادارة؟ أهي مسألة قلة ثقة في الكوادر بالرغم من اتصافهم بالمعرفة؟ أليس هدفنا هو الجودة والاتقان واللذان يلزماننا بعناصر مهمة (أعلاه) يجب مراعاتها؟


سبق أن تحدثت في مقالة سابقة عن موضوع «المهنية الكاذبة» والتي يمكن الرجوع إليها من خلال هذه المدونة حيث تحدثت فيها عن ضرورة التفريق والموازنة بين الجانب العملي في حياتنا وبقية جوانب الحياة كالجانب الديني والاجتماعي والصحي. فإفحام الموظفين في العمل بالأعباء الكثيرة هو إجحاف في واجباتهم الأخرى في بقية جوانب الحياة. فكيف يمكن لهؤلاء التوفيق والموازنة بين مهام العمل ومتطلبات بقية جوانب الحياة في آن واحد؟ أليس شعارنا هنا هو «ساعة وساعة»؟ أم أصبح الآن «ساعة وأسبوع» أو«ساعة وشهر»؟ بحيث انشغلنا عن واجباتنا الدينية والاجتماعية بشكل يجعلنا فاشلين في علاقتنا مع ربنا ومجتمعنا وناجحين في العمل أو بالأحرى مشغولين في العمل. فلا أرى شخصيًا أن النجاح في العمل يتأتى إلا مع التركيز والتفرغ وليس مع جمع المسؤوليات والمهام المهنية. ختاماً، أود تقديم نصيحة سمعتها على لسان أحد المدربين الاداريين بشكل طريف عن ضرورة قول «لا» في العمل أحيانا لضمان الجودة، فهو يرى ان مهام العمل اشبه بالقرد (أعزكم الله). فكلما أوكل إلينا مهمة جديدة في العمل وقبلناها فهي أشبه بوضع قرد على أظهرنا، فكم عدد القرود الذين تستطيعون إخواني وأخواتي القراء وضعها وتحملها في جو العمل؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق