الاثنين، نوفمبر 05، 2012

العمل الحكومي وأزمة الفاعلية


يتساءل الكثيرون اليوم عن أزمة الفاعلية والكفاءة التي تعانيها بعض المشروعات التنموية والحملات الوطنية رغم الجهود الكبيرة المبذولة والمخصصات المالية السخية التي تخصص لها. فعادة ما نلاحظ مثل هذه التساؤلات على وجوه الكثير من المسؤولين والذين يؤثرون الصمت وعدم الإفصاح بشيء (إلا للمقربين) حتى لا يزيدوا الطين بلة. فأصبحت الأحاديث الاجتماعية مليئة بالكثير من الانتقادات والتذمر من فشل المشروع الفلاني وتأخر المشروع العلاني، ناهيك عن قصص ضعف الإدارة وسوء استخدام الموارد بأشكالها. خذ على سبيل المثال اكثر ما يقلقنا اليوم شيبا وشبانا هو موضوع حوادث السير والذي بالرغم من التوجيهات السامية والجهود التي تبذل إلا أن سلسلة حمامات الدم لا تزال في تزايد حتى بدأنا نرى أشكالا جديدة من الحوادث لم نعهدها سابقا كحادث وادي الجزي نهاية الأسبوع الماضي. وانظر إلى مشروع توسعة مطار مسقط والذي شهد تأجيلات تكبدت فيها الحكومة الكثير من الأموال ومشروع الحكومة الإلكترونية الذي تأخر أيضا مما اضطر هيئة تقنية المعلومات لإعادة صياغة استراتيجية عمل جديدة تلزم الدوائر الحكومية بالتنفيذ وفق جدول زمني وغيرها كثير. ناهيك طبعاً عن العديد من المشروعات الأصغر حجما داخل الوزارات والدوائر الحكومية والتي نحسن الظن ونثق بأهلية القائمين عليها ولكنها تعاني أيضا من تأخر أو تهميش أو خسائر مما يجعل ضررها أكبر من نفعها. كل ذلك يجعلنا نتساءل اليوم بشيء من الحكمة عن الخلل؟ فماذا ينقصنا يا ترى؟ هل هي مسألة نقص في المخصصات المالية؟ أم هي أزمة إدارية وعقليات بشرية غير قادرة على التفكير خارج الصندوق كما يقولون؟ أو ربما في طريقة إدارة هذه المشروعات ومنظومة العمل الحكومي المشترك في البلد والذي يتخلله الكثير من المحسوبيات؟ في رأيي الخاص هناك أمور اكبر من كل ذلك علينا معرفتها وأخذها محمل الجد قبل البدء بأي شيء.
لا تعتبر هذه القضية بجديدة على العلم الحديث فقد خاض وجال فيها العديد من المحللين الاقتصاديين والباحثين بكثير من التفصيل مما جعلهم يفرزون لنا العديد من النظريات والتطبيقات والتوصيات لقيادة إدارة التغيير داخل المؤسسات بما يتضمنه ذلك من حسن استخدام أساليب إدارة المشروعات الحديثة وطرق تقييم الأعمال وقياسها. الغريب في الأمر أن كل هذا ليس أيضا بجديد على معظم دوائرنا الحكومية، فمشروعاتنا الوطنية توظف كبرى الشركات الاستشارية الدولية التي تقوم بالتخطيط والإشراف على مراحل التنفيذ، كما تقوم الوزارات ومختلف الدوائر الحكومية بالاستعانة ببيوت الخبرة والاستشاريين المؤهلين للتخطيط والإشراف على أعمالها ومشروعاتها الداخلية. فأين تكمن المشكلة ونحن نمتلك المال والإرادة ونستعين بوسائل ونظريات العلم الحديث في التطبيق؟ لطالما تحدثت عن ضرورة إعادة صياغة استراتيجية جديدة للسلطنة بشكل قابل للقياس ولنا في التقرير العالمي للتنافسية إلهام في هذا الشأن يبين لنا نقاط الضعف والقوة ومستوى التأخر (التخلف) الذي نعانيه. فالملاحظ حاليا أن من اهم الصعوبات في العمل الحكومي تنشأ عند السعي لدمج الأعمال بين الجهات الحكومية المختلفة، بحيث أصبحت جهاتنا الحكومية تعمل برؤى مختلفة لا يجمعها هدف أو استراتيجية واضحة المعالم مع احترامي لرؤية 2020 الحالية. نتج عن ذلك عدم وضوح لدى المسؤولين عن حقيقة أهداف الأعمال الحكومية وتأثير بعضها على الآخر. فأصبحت وزاراتنا غالبا تعمل بمعزل عن بعضها البعض بدليل عدم كفاءة وفاعلية معظم اللجان المشتركة بينها.

في رأيي الخاص يكمن السبب الرئيسي وراء معظم مشاكلنا الإدارية في الثقافة العلمانية التي انتشرت بيننا في جو العمل مما جعلنا نتغافل عن أمر مهم جدا يعتبر من اهم أسباب زيادة كفاءة وفاعلية الأعمال الخاصة. انه عامل (البركة) إخواني القراء والتي تجاهلنا أو جهلنا مصدرها إلا من رحم ربي. علينا أن نقر بأن هناك ذنوبا تقترف في حق المولى عز وجل قد تكون السبب (بل هي السبب) وراء نزع البركة من أعمالنا. فكم من الصلوات التي نسيناها أو أخرناها بسبب طول فترة الاجتماعات وانشغالنا في الأعمال والمؤتمرات؟ وكم من الكبائر التي أصبحت اليوم عرفا بيننا كالربا وقتل النفس (حوادث السير) والغيبة والنميمة والتبرج ومنع الزكاة وشرب الخمر وغيرها. كم منا يستثمر ساعات السحر للدعاء طالبا من المولى المدد والعون على تحمل مسؤوليات العمل والحياة؟ ألم نصبح نؤمن بالماديات اكثر من إيماننا بالغيبيات بحيث أصبحت الكلمة العليا في نظر أكثرنا هي للعلم والجهد البشري اكثر من توفيق الله وبركته؟ أليس ذلك أشبه بقول قارون (إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي)؟ فماذا كانت النتيجة؟ قد يقول قائل: إن الشريحة المذنبة بيننا مجموعة قليلة ولكن ألم نسمع ونقرأ قول المولى عز وجل (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً)؟ ألم نهجر في ذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونسينا قول المصطفى عليه وعلى آله افضل الصلاة والسلام (لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه، ثم تدعونه فلا يستجاب لكم). لذلك علينا اليوم إخواني وأخواتي القراء أن نعترف بغفلتنا جميعا (إلا من رحم ربي) عن اهم أسباب النجاح الموجودة بين ظهرانينا (كتاب الله وسنة نبيه) والتي تحوي الحلول لجميع مشاكل العالم. فتطبيق شرع الله أولا بعد ذلك فقط نستطيع الأخذ بالأسباب الدنيوية المادية راجين من المولى أن يبارك فيها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق