الاثنين، نوفمبر 12، 2012

عمان 2035


تحدثنا في أكثر من مقالة عن ضرورة رسم رؤية استراتيجية جديدة للسلطنة مغايرة لرؤية 2020 من حيث وضوح الأهداف وقابليتها للقياس. طبعا بشائر تدشين هذه الرؤية الجديدة تلمسناها في إنشاء المجلس الأعلى للتخطيط بموجب المرسوم السلطاني رقم (30/2012) والذي نظن أن المجلس يعكف حاليا على تطوير خطط واستراتيجيات جديدة قادرة على رسم مستقبل السلطنة في الحقبة القادمة. سأقوم اليوم في هذا المقالة بوضع تصور لأهم النقاط الواجب مراعاتها (من وجهة نظري) في الخطة الاستراتيجية الجديدة للسلطنة والتي وضعت لها مدة 20 عاما (أربع خطط خمسية) للتنفيذ. من أهم التقارير العالمية الذي يمكن أن نستفيد منها في هذا الجانب هو تقرير التنافسية العالمية الذي يصدر عن المنتدى الاقتصادي العالمي والذي اصدر نسخته الأخيرة لعام 2011 -2012 مؤخرا. حيث يقوم هذا التقرير بقياس تنافسية أكثر من 140 دولة حول العالم مستخدما في ذلك أكثر من مائة مؤشر تندرج تحت 12 ركيزة سنستعرضها لاحقا. حققت السلطنة في هذا التقرير المركز الـ32 من أصل 142 دولة متقدمة مركزين عن التقرير السابق في عام 2010-2011. ماذا يعني هذا المركز لنا اليوم يا ترى؟ وما هي أهم نقاط القوة والضعف الممكن استنتاجها من هذا التقرير لتساعدنا في كتابة استراتيجيتنا القادمة؟ يعرّف المنتدى الاقتصادي العالمي مفهوم (التنافسية) بأنه مستوى إنتاجية البلد التي تحددها مجموعة السياسات والعوامل والمؤسسات المختلفة في البلد. نفهم من ذلك أن مستوى الإنتاجية هو اهم ما في الأمر وأنه نتاج لمشروعاتنا وسياساتنا الاقتصادية والتي هي بطبيعة الحال نتاج لخططنا الخمسية التي تندرج تحت خطتنا الاستراتيجية 2020. لذلك أن اردنا تحسين الإنتاجية في السلطنة فعلينا الاهتمام بالمنبع وهو استراتيجية السلطنة بعيدة الأمد التي يجب أن تحدد المستويات الإنتاجية (في جميع القطاعات) الواجب علينا تحقيقها في الأعوام المقبلة. كما يجب علينا أيضاً قياس ومقارنة مستوى الإنتاجية معنا بإنتاجية بقية دول العالم خصوصا تلك التي نشترك معها في الكثير من الصفات كدول الخليج العربي مثلا. فعصر العولمة اليوم وتحالفاتنا الاقتصادية تجبرنا على العمل المشترك بين مختلف دول العالم، فلا مجال للعمل بمعزل وإلا لرجعنا بالبلد عشرات السنين للوراء. نعم، للسلطنة خصوصية تختلف عن بقية دول المنطقة يجب علينا مراعاتها، ولكنها ليست إلا قدرات اقتصادية قد تساهم في تميزنا في سباق التنافس الدولي هذا. 


يقيس التقرير المذكور أعلاه إنتاجية الدول ومستواها التنافسي عالميا من خلال العديد من المؤشرات التي تندرج تحت 12 ركيزة مهمة وجب علينا اليوم في السلطنة التركيز عليها وكتابة خطتنا الاستراتيجية الجديدة بما يتناسب معها. أول هذه الركائز هو جودة المؤسسات العاملة بالبلد وبيئة العمل والذي يركز على الجانب التشريعي والتسهيلات الحكومية المتوفرة في هذا الجانب (حققت السلطنة هنا المرتبة الـ16 من اصل 142 دولة). الركيزة الثانية هي جودة البنية الأساسية للاتصالات والمواصلات والتي حققنا فيها المرتبة الـ28، وثالثا هو استقرار الاقتصاد الكلي للدولة والتي استطاعت السلطنة فيه تحقيق مركز متقدم جدا (المرتبة الثالثة). أما الركائز القادمة فتحتاج منا لنظرة وعناية خاصة في الحقبة القادمة لنستطيع تسجيل مستويات متقدمة فيها. فالركيزة الرابعة عن الصحة والتعليم الأساسي حققنا فيها المركز الـ81. والركيزة الخامسة عن التعليم العالي والتدريب حققنا فيها المركز الـ63. أما الركيزة السادسة والتي تعنى بكفاءة سوق السلع في البلد والذي يشجع على تحسين كفاءة بيع السلع وأعمال الاستيراد والتصدير بما يتناسب مع حجم الطلب داخل البلد فاستطعنا فيها تحقيق المركز الـ23. والركيزة السابعة عن كفاءة سوق القوى العاملة والذي يهدف لقياس التوظيف والاستخدام الصحيح للقوى العاملة بما يحقق افضل مستوى من الإنتاجية فجاءت السلطنة في المركز الـ40. وثامنا هو تطور السوق المالي في البلد والذي يقيس مستوى كفاءة استخدام أموال ومصادر الدولة الاقتصادية (حققنا فيها المركز الـ30). وتاسعا هو الجاهزية التقنية للدولة والذي يقيس قدرة الدولة ومؤسساتها المختلفة في استخدام التقنية الحديثة لرفع إنتاجية مختلف القطاعات بشكل اكثر كفاءة وفاعلية (المركز الـ51). وعاشرا هو حجم السوق الاقتصادي بالبلد والذي يقيس قدرة السوق المحلي في استيعاب عدد اكبر من المؤسسات التجارية بالتركيز على الطلب المحلي والقدرة على التصدير للخارج (المركز الـ73). أما الركيزة الحادية عشرة فهي عن تطور الأعمال التجارية في البلد والتي تقيس جودة شبكة الأعمال بالإضافة إلى جودة أعمال واستراتيجيات المؤسسات العاملة بالبلد (حققنا فيها المركز الـ40). والركيزة الأخيرة عن الابتكار التقني والتي تقيس مستوى الإنفاق في دراسات البحث والتطوير ليس فقط من قبل الحكومة ولكن أيضا من قبل المؤسسات الخاصة العاملة في البلد (جاءت السلطنة في المرتبة الـ47). 

يفيدنا هذا التقرير في تحديد الجوانب الواجب علينا إدراج أهدافنا المستقبلية قصيرة وبعيدة الأمد تحتها. فما هو المركز الذي نريد تحقيقه بعد 20 عاما من الآن في كل ركيزة من هذه الركائز؟ إذا حددنا ذلك، وجب على جميع الوزارات والدوائر الحكومية المعنية أن تضع نصب اعينها عمل ما من شأنه تحقيق هذه الأهداف الكبرى (توحيد الجهود حول أهداف مشتركة). طبعا لا يقتصر التقرير بالحديث عن الركائز فقط بل يتعدى ذلك إلى الحديث عن المؤشرات المختلفة في كل ركيزة وقياس إنتاجية البلد فيها. فمثلا تحت ركيزة كفاءة سوق العمل هناك مؤشر نسبة النساء العاملات بالمقارنة مع الرجال والذي حققنا فيه مركزا متأخرا هو الـ135 من اصل 142 دولة في العالم، وغير ذلك كثير مما يجعلنا نفهم (بشكل عام) وضعنا الحالي لنبدأ بالتفكر في وجهتنا القادمة (المستقبلية)؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق