تحدثنا في المقالة السابقة عن ريادة الأعمال في السلطنة وضرورة مراعاة الجانب الفكري للمتدربين عند محاولة تدريبهم وتأهيلهم ليكونوا رواد أعمال ناجحين. من المهم كذلك اليوم أن يدرس صناع القرار الاختلافات والتطورات في هذا المجال عما كان عليه الحال في القرن الماضي. فالتقنية الحديثة والأجيال الرقمية التي بدأنا نتعامل معها والتنافسية الشديدة بين الشركات والدول تفرض علينا نمطا بل أنماطا جديدة في ريادة الأعمال لا يمكن التغافل عنها. فالعمل من المنزل أصبح خيارا لدى الكثيرين وبات الناس عند الشراء يتصفحون مواقع الإنترنت وبرمجيات الهواتف النقالة أكثر من ترددهم على الأسواق، بل أصبح الهاتف والحاسوب اللوحي اهم صديق لنا وملاذنا اليومي للترفيه والتواصل المهني والاجتماعي وعند متابعة الأخبار والمستجدات. لذلك فالعمل الحر في بعض الأحيان اليوم لم يعد يشترط علينا العديد من المتطلبات المادية كاستئجار مبنى وتوظيف عمال ودفع رسوم وفواتير شهرية وذهاب واياب وما إلى ذلك. وأصبح اغلب الزبائن الذين يترددون على الأسواق يفضلون التسوق من البيت إن أتيحت لهم الفرصة. فإن كان العالم الخارجي يفرض علينا الكثير من الاشتراطات القانونية والمادية واللوجستية وغيرها، فإن العالم السيبرالي أو عالم التقنية يلغي كل هذه الحواجز ولا يشترط إلا البدء والجدية والمتابعة، فماذا ننتظر؟
لا يعتبر العمل الحر والعمل من المنزل بجديد علينا، فمنذ سنين طويلة ونحن نرى ربات المنازل يمتهن البيع والشراء بالتجوال بين بيوت الحي والأمثلة على ذلك كثيرة إلى يومنا هذا. بل أذكر أنه ومع بداية استجلاب القوى العاملة الوافدة، قامت بعض ربات المنازل باستغلالهم لحمل البضائع من بيت إلى بيت مستغلين في ذلك تحرج الجيران من عدم الشراء واحتياج البعض الآخر وأهم من كل ذلك ملاءمة هذا الأسلوب لطبيعة البشر في حبهم للراحة وإعراضهم عن كل ما فيه عناء. تطور ذلك كله فأصبح هناك من يستقبل الزبائن في بيته لعرض منتوجاته والتسويق لها عن طريق التقنية الحديثة وعلى رأسها وسائل التواصل الاجتماعي فيما يسمى اليوم بالتجارة الاجتماعية. فقد أتاحت تقنيات التواصل الاجتماعي قنوات رخيصة وفعّالة للوصول إلى الزبائن والتواصل معهم وتلقي الطلبيات بما يهدد قنوات الترويج الأخرى. فالجيل الجديد هو جيل رقمي بكل المقاييس وعليه ترتكز التجارة الاجتماعية والتي توظف التقنية لأمور البيع والشراء وتقييم المعروضات والمشاركة بالآراء ونشر التجارب بما يمثل تسويقا بالمجان لأصحاب الأعمال من قبل الزبائن أنفسهم. وفي هذا نجد أمثلة محلية ناجحة ليس فقط بين فئة الشركات الصغيرة والمتوسطة بل حتى على مستوى الأفراد. انظر مثلا لمواقع الإعلانات المبوبة الإلكترونية كموقع سوق السبلة العمانية وغيرها، وتأمل في موقع الفيسبوك والانستجرام وكيف بدأ العديد من الأفراد العمانيين والعمانيات وبعض المحلات الأخرى عرض منتجاتهم المنزلية والتجارية بشكل يسهل على الزبائن الوصول إليها وتقييمها للغير وربما توصية أصدقائهم للاستفادة منها. ناهيك طبعا عن مجموعات الواتساب واستغلالها لنشر الإعلانات التجارية والمنتجات المنزلية. لم يعد الأمر مقصورا على رواد الأعمال من فئة الشباب، بل حتى ربات المنزل ممن تعدين الخمسين والستين عاما فهناك من بدأن بالفعل بالترويج لمنتجاتهن عن طريق كبرى مواقع وبرمجيات التواصل الاجتماعي، وأتحدث هنا عن عمانيات.
كل ذلك وأكثر مما يحتم علينا اليوم النظر في تطوير وسائل التعليم والتدريب لتشمل التقنية الحديثة بجميع أبعادها وليس فقط التركيز على أساسيات الحاسوب والبرامج التخصصية. فمن المعلوم اليوم بأن أكثر من مليون ونصف شركة حول العالم قد قررت أن تفتح صفحة لها على الفيسبوك للتواصل مع الزبائن، كل ذلك بالتأكيد لسبب ولسبب مهم أيضا وهو الوصول إلى الزبائن حيث يتواجدون ويقضون الساعات الطوال. فمن المؤسف اليوم أن لا يعي الناس وأصحاب القرار أهمية التقنية الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي في التنمية والتطوير وان يقف منها الكثيرون موقف المتخوف أو المتردد. فلا مجال اليوم ان نضع استراتيجية او خطة تنفيذية دون ان تكون التقنية اهم العوامل المساعدة في نجاحها. فكيف ونحن نبحث وبشدة عن الحلول الناجعة لتقليل عدد الباحثين عن عمل وتشجيع ريادة الأعمال في السلطنة، ألا نجد في التقنية حلولا تتعدى الفرص التدريبية التي تتبناها أكثر مؤسساتنا في السلطنة؟