مرحباً بكم أخواني القرّاء مجدداً في هذه السلسلة من الدروس والتي نهدف من خلالها تسليط الضوء على مصطلح "الحكومة الإلكترونية" بكل ما يحتويه هذا المصطلح من قضايا وتقنيات وأبعاد. قطعنا إلى الآن شوطاً لا بأس به في فهم النقاط الأساسية في تطبيق مبدأ التعامل الإلكتروني داخل وخارج المؤسسات الحكومية والذي يحمل في طيّاته الكثير من القضايا الواجب مراعاتها، كضرورة التفريق بين المؤسسة الحكومية والمؤسسة التجارية (الدرس الأول) وكيف أن الحكومات حول العالم تختلف في فهمها وتعريفها وحتى في أهدافها (الغير معلنة) في تبني تطبيقات الحكومة الإلكترونية (الدرس الثاني). أما عند التطبيق، فإن الحكومة الإلكترونية قد تأخذ أشكال متعددة تختلف بإختلاف المستهدفين من التطبيقات (الدرس الثالث) كما أن التطبيقات ذاتها قد تأتي بأنواع مختلفة كذلك (الدرس الرابع). وأخيراً، تعرفنا في الدرس الماضي (الخامس) على مراحل تطور وبناء الحكومة الإلكترونية والتي تتدرج وتنمو حتى نحصل في النهاية (أو نهاية البداية) على وحدة حكومية إلكترونية مدمجة.
سنتحدث اليوم أخواني القرّاء عن بعض القضايا المهمة الواجب مراعاتها والتخطيط السليم لها لضمان نجاح مبادرات الحكومة الإلكترونية قبيل البدأ بتطوير مواقع إلكترونية للمؤسسات الحكومية، وهي كالتالي:
- سهولة الإستخدام (Usability): بدأ هذا المعيار بالنشوء مع إزدياد عدد المواقع الإلكترونية التجارية وكذلك المواقع الإجتماعية والتي تهدف إلى كسب أكبر شريحة من الزبائن والزوار من خلال توفير واجهة (Interface) مريحة وسهلة الإستخدام والتي قد تتغير حسب ذوق المستخدم. فلم تعد أخواني القرّاء المسألة مجرد قدرة على مزج الألوان المريحة والصور الجذابة في الموقع الإلكتروني بل تعدت ذلك إلى توظيف العديد من التقنيات الحديثة والتي تجعل من زيارة الزبون للموقع تجربة ناجحة بجميع المقاييس. تميزت مواقع المؤسسات التجارية في هذا الجانب، مما جعل أمام المواقع الحكومية تحدي كبير في مجاراة (وربما التفوق على) هذه النجاحات. الأمر الذي إضطر الحكومة الأمريكية إلى تطوير موقع كامل شامل يُعنى بهذه القضية ليكون كمرجع لجميع المواقع الحكومية الأمريكية (www.usability.gov). فسهولة الإستخدام تعني تسهيل مهمة المستخدم للحصول على ما يريد وضمان سهولة تذكر وتكرار نفس العمليات دون الحاجة لشرح جديد. كما قد يتعدى ذلك لمراعاة زيادة راحة وإقتناع وحب المستخدم لإستخدام الموقع.
- أصالة البيانات (Authenticity): تحتوي المواقع الحكومية الإلكترونية على العديد من المعلومات والتي قد تثير بعض التساؤلات من المستخدمين حول صحة وأصالة هذه المعلومات. فهل فعلاً تقف المؤسسة الحكومية خلف جميع المعلومات المعروضة وتتحمل تبعيات إستخدامها من قبل الزوّار؟ عادةً، لا نجد من خلال المواقع الإلكترونية الحكومية ما يساعدنا على الإجابة على هذا السؤال والذي قد يثير الشكوك كذلك حول ما إذا كانت المستندات المرفقة في المواقع الإلكترونية كالإحصائيات والتقارير الإقتصادية وغيرها تحمل صيغة رسمية مرخّصة أم لا؟ أظف إلى ذلك إحتمالية عبث البعض بالمواقع الحكومية وتشويه أو تزوير بعض المعلومات والتقارير والتي قد تثير الجدل حول صحة المعلومات بعد ذلك. مع العلم أن الجهات الحكومة تستطيع إستخدام بعض تقنيات أمن المعلومات كتقنية الإخفاء الرقمي (Digital Watermarking) لضمان أصالة المعلومات والمستندات الحكومية الرسمية. من جانب آخر، تسعى الجهات الحكومية من خلال مواقعها الإلكترونية إلى ضمان أصالة المستخدمين والتعرف على هوياتهم في سبيل الحد من طرق الغش والتزوير والتي قد تنتج من سرقة الهويات. فقد تسعى إلى توظيف تقنيات التوقيع الرقمي (Digital Signature) والشهادات الرقمية (Digital Certificates) والتعريف البيومتري (Biometric Recognition) كإستخدام البصمات وقزحية العين من خلال ماسحات (scanner) رقمية.
- الكفاءة (Efficiency) والفعالية (Effectiveness): يشتبه عند الكثير معرفة الفرق بين هذين المصطلحين والذين يُعنيان بتحسين إنتاجية المؤسسة من خلال الوصول للأهداف المنشودة (الفعالية) بأقل الخسائر (الكفاءة). سوف ترى أخي القارئ أختي القارئة العديد من الحكومات حول العالم تضع لنفسها أهدافاً من توظيف الحكومة الإلكترونية لزيادة فاعلية وكفاءة العمليات الحكومية دون الإشارة لكيفية (الأدوات والحلول المستخدمة) الوصول لذلك. من أهم ما يجب بناءه للحصول على عمليات وخدمات حكومية ذات كفاءة وفاعلية عاليين هو التفاهم على صيغة مشتركة لمعايير العمل البيني (Interoperability Standards). والتي ستنظم العمل بين مختلف الدوائر والمؤسسات الحكومية وبين مختلف مستويات الحكومة. فهناك حكومات متعددة المستويات كالحكومة الأمريكية والتي تنقسم إلى حكومة فدرالية وحكومة خاصة بكل ولاية وحكومة محلية تهتم بشؤون المدن والقرى داخل الولاية.
- ثقافة المؤسسة (Organizational Culture): تختلف المؤسسات فيما بينها في عدة جوانب ولعل من أهمها وأكثرها تعقيداً هو ثقافة المؤسسة والتي تُعنى بالعادات والفرضيات والقيم والطقوس والإيديولوجيات والمعايير المتبعة في العمل داخل المؤسسة. فإن سبق لك أخي القارئ أختي القارئة العمل في أكثر من مؤسسة حكومية أو تجارية فبالتأكيد قد لاحظت إختلافاً في طرق العمل وكيفية إنجاز الكثير من الأعمال الداخلية أو الخارجية وإن تشابهت الأهداف والعمليات. المهم في هذا الموضوع هو كيف يمكن أن تؤثر ثقافة المؤسسات في تقبل التغيير والتطوير (الحكومة الإلكترونية). غالباً ما نرى مقاومة للتغيير والتي تختلف درجتها ونوعها وحدّتها بإختلاف الثقافات (القيادات) التي تعاقبت على بناء وتطوير المؤسسة الحكومية. الأمر الذي يحتم ضرورة فهم ودراسة ثقافة المؤسسات للتخطيط السليم لإدارة التغيير (Change Management).
مما سبق نجد أن هناك قضايا مهمة يجب الإنتباه إليها قبل وأثناء تطبيق مبدأ الحكومة الإلكترونية في المؤسسات الحكومية والتي عانت منها كبار الدول في العالم عند التطبيق. الأمر الذي يجعل للدول الأخرى أفضلية في تنفيذ حكومات إلكترونية ناجحة مستفيدة من تجارب هذه الدول. لذلك سنقوم في الدروس القادمة بتسليط الضوء على بعض تجارب كبرى الدول في هذا المجال لإستخلاص الدروس والعبر والفوائد التي قد تساعد على ضمان نجاح مبادراتنا المحلية للحكومة الإلكترونية في السلطنة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق