تعرفنا من خلال الدروس الأربعة الأولى على قواعد وأساسيات مهمة في فهم مصطلح الحكومة الإلكترونية. تعتبر الحكومة الإلكترونية وتطبيقاتها حلاً للكثير من المشاكل التي قد تصادفها المؤسسات الحكومية في تعاملاتها ومعاملاتها المختلفة الداخلية والخارجية. تحتاج هذه التطبيقات إلى التدرج في التنفيذ لإتاحة الفرصة للمؤسسات للتخطيط السليم وللمستخدمين إلى تجربة التطبيقات الجديدة والتعود عليها. سيكون حديثنا اليوم عن مراحل تطور الحكومة الإلكترونية من منظور عدة دول حول العالم بما فيها السلطنة.
عند التأمل في تجربة الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة وأستراليا في هذا الجانب نجد إختلاف ملحوظ في الإستراتيجيات المتبعة عند التطبيق والعوامل المساعدة والتحديات التي تواجه المنفذين. سنخصص بإذن الله بعض الدروس المقبلة لدراسة هذه الدول وإستنتاج بعض الفوائد والدروس التي قد تساعدنا وتفيدنا في السلطنة. رغم هذه الإختلافات فإن هذه الدول وغيرها حول العالم قد إتفقت (بوجه عام) على أن الحكومة الإلكترونية يجب أن تمر بعدة مراحل أساسية عند التطبيق. ليس ذلك فحسب، بل أن الكثير من الباحثين والكُتّاب حول العالم قد إتفقوا أيضاً حول ضرورة تطور الحكومة الإلكترونية بشكل تدريجي والتي يمكن أن تكون من خلال أربعة مراحل أساسية. عند النظر في هذه الدراسات، يمكننا تلخيص أهم مراحل تطور الحكومة الإلكترونية إلى أربعة مراحل وهي كالتالي:
· مرحلة الوجود الإلكتروني: قد تختلف التسميات في هذه المرحلة ولكن المقصود هنا هو أن تقوم الجهات الحكومية بتطوير مواقع إلكترونية (websites) تعرض من خلالها جميع المعلومات المهمة لأصحاب المصلحة (stakeholders) كالمواطنين والمقيمين والشركات التجارية وربما جهات خارجية كالشركات العالمية والسياح. تشمل هذه المعلومات كل ما يهم المستخدم كأرقام الإتصال بمختلف الدوائر والأقسام بالمؤسسة والإرشادات المختلفة حول كيفية الحصول على أو تنفيذ الخدمات المختلفة مع المؤسسة الحكومية. يكون التركيز في هذه المرحلة على ضرورة عرض المعلومات بطريقة سهلة وربما بلغات مختلفة تعتمد على لغات المستهدفين من الموقع الإلكتروني. في السلطنة قد تكون أهم اللغات الواجب توافرها في المواقع الحكومية هي اللغة العربية والإنجليزية وربما الهندية (الأوردو). أما في إستراليا فستجد بعض المواقع بأكثر من ثمانية لغات عالمية لتعدد ثقافات وأصول المستهدفين من هذه المواقع. من الأمثلة على هذه المرحلة موقع وزارة العدل في السلطنة (www.moj.gov.om).
· مرحلة توفير الخدمات الجزئي: تبدأ هنا الجهات الحكومية بتوفير بعض الخيارات المحدودة للمستخدمين التي تتعدى مجرد عرض المعلومات إلى توفير بعض الأدوات المستخدمة في تنفيذ الخدمات الحكومية كتوفير الإستمارات المطلوبة في مختلف التعاملات إلكترونياً. يستطيع المستخدم كذلك بعد هذه المرحلة التعامل مع قواعد بيانات المؤسسة الحكومية بشكل محدود في طلب بعض الإستفسارات أو المعلومات والتي تتضمن عمل بحث (search) من خلال خيار واضح في الموقع الإلكتروني. كذلك تعمد المؤسسات الحكومية في هذه المرحلة إلى تطوير سياسات المؤسسة في التعامل مع بعض القضايا المهمة كضمان خصوصية المستخدمين والتخطيط لكيفية التعامل مع فئات المجتمع ذات الإحتياجات الخاصة. من الأمثلة على هذه المرحلة موقع إستمارات وزارة الزراعة في السلطنة (www.moa.gov.om/arabic/Forms.asp).
· مرحلة الخدمات الشاملة والبوابة الإلكترونية: في هذه المرحلة تقوم المؤسسات الحكومية بعرض جميع أو معظم خدماتها من خلال مواقعها الإلكترونية وأيضاً من خلال بوابة مركزية لجميع الخدمات والتعاملات الحكومية مع جميع شرائح المجتمع. كذلك فإن هذه المرحلة تعني إتاحة الخيار الإلكتروني لجميع شرائح المجتمع بطريقة سلسة وسهلة مما يفرض على المؤسسات الحكومية توفير البيئة الإلكترونية المناسبة لفئات المجتمع ذات الإحتياجات الخاصة كمكفوفي البصر والصم والمقعدين. من الأمثلة على هذه المرحلة هو بوابة أستراليا المركزية (www.australia.gov.au).
· مرحلة التكامل والإندماج الإلكتروني: تعتبر هذه المرحلة الأصعب من بين جميع المراحل لما تتضمنه من مهمة لإقناع جميع المؤسسات الحكومية بفكرة التكامل والإندماج بين بعضها البعض. عادةً ما تواجه هذه المرحلة الكثير من الإنتقادات والمعارضات لما قد تتطلبه المرحلة من التخلي عن العديد من البرامج القديمة (silos) والتي إعتاد القائمون عليها والموظفين في المؤسسات الحكومية العمل عن طريقها لفترات طويلة قد تصل أحياناً لأكثر من عشرين سنة. فكيف يمكن لمن نفذ وطور وساهم في صيانة مثل هذه البرمجيات خلال فترات طويلة من الزمن قبول فكرة إحلالها ببرمجيات جديدة قد تتضمن تقنيات متطورة قد لا يفهما الموظفين الحالين؟ أظف إلى ذلك ضرورة تطوير معايير وإرشادات موحدة لضمان التوافقية (Interoperability) في تقاسم البيانات وسلاسة تنفيذ المعاملات المشتركة بين الجهات الحكومية.
بالإظافة إلى ما سبق، تقوم بعض الدول بمرحلة خامسة والتي عادة ما تكون بالتوازي مع المرحلة الرابعة وهي مرحلة الديمقراطية التفاعلية والتي تتضمن مشاركة المواطنين في تطوير الخدمات الحكومية وسياسات العمل في الجهات الحكومية. تتضمن هذه المرحلة كذلك توفير الإتصالات المباشرة مع المسؤولين الحكوميين في البلاد، ولعل من الأمثلة الجيدة على هذا النوع هو الموقع الرسمي للملك عبدالله الثاني، ملك مملكة الأردن (www.kingabdullah.jo). يجب الإشارة في الختام إلى أن السلطنة قد إتبعت نفس النهج والمراحل في تطوير الحكومة الإلكترونية في البلاد وتمر حالياً بمرحلة إنتقالية بين مرحلة الخدمات الجزئية ومرحلة البوابة المركزية من خلال سعيها لتدشين بوابة مركزية موحدة للخدمات الحكومية الإلكترونية في الثامن من الشهر الحالي على هذا الموقع (www.oman.om).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق