يعتبر نظام التشغيل ويندوز (Windows) من شركة مايكروسوفت الأمريكية أكثر أنظمة التشغيل شيوعاً وإنتشاراً بين الناس اليوم. فمنذ بداية ظهور هذا النظام في عام 1985 في نسخته الأولى والتي أتت كإضافة على نظام التشغيل القديم دوس (MS-DOS)، وشعبية هذا النظام تزداد سنوياً. نعم كانت هناك إخفاقات في بعض النسخ ولكن الناس والشركات بشكل عام ما فتئوا يشترون ويحدثون أنظمة تشغيلهم مع نزول النسخ الجديدة من هذا النظام. أظف إلى ذلك أن من أهم أسباب نجاح شركة مايكروسوفت اليوم يعزى إلى نظام التشغيل ويندوز، الأمر الذي يحتم على الشركة حماية هذا المنتج بشتى الطرق من الفشل أو الإضمحلال. أما بالنسبة للمنافسين والذين يعدوا بالأصابع اليوم كأمثال نظام التشغيل ماك (Mac) من شركة أبل (Apple) ونظام لينكس (Linux) المفتوح المصدر (Open Source) وغيرها التي لا تذكر لمحدودية شعبيتها، فلم تستطع التغلب على هيمنة نظام ويندوز العالمية رغم إتسام الأنظمة المنافسة بمواصفات قد تتغلب في كثير من الأحيان على نظام ويندوز بمراحل.
بدأت شركة جووجل بالضغط على شركة مايكروسوفت منذ بداية أعمال الشركة في نهاية التسعينات من القرن الماضي، بدايةً في عمليات البحث والبريد الإلكتروني ومتصفح الإنترنت ونهايةّ اليوم في أنظمة التشغيل. حيث دخلت جووجل عالم أنظمة تشغيل الهواتف الذكية في عام 2007 عن طريق منتجها المسمى أندرويد (Android) محققة في ذلك نجاحات متوالية سوقية عن طريق كسب حلفاء وشركاء من مصنعي الهواتف المحمولة من أمثال سامسونج وأتش تي سي (HTC) وأل جي (LG) وموتورولا (Motorola) وغيرهم، مما تسبب (مع أسباب أخرى) في إقصاء نظام تشغيل الهواتف المحمولة من مايكروسوفت السابق (Microsoft Mobile 6.5). حتى أن النظام الجديد للهواتف المحمولة من مايكروسوفت والمعروف بإسم (Windows Phone 7)، لا يزال يتأرجح بمبيعات ضئيلة مقارنةً بأجهزة أندرويد بعد تدشينه رسمياً في أكتوبر الماضي من خلال بعض الهواتف الذكية. الأمر الذي يجعلنا نتسائل ما إذا كان نظام التشغيل ويندوز سيواجه نفس المصير إذا ما بدأت جووجل بالمنافسة في قطاع أنظمة التشغيل للحواسيب؟
لسوء حظ شركة مايكروسوفت، بدأ فعلاً عملاق البحث جووجل بالتخطيط لدخول عالم أنظمة تشغيل الحواسيب من خلال نظام التشغيل الجديد جووجل كروم (Google Chrome OS)، والذي بُني على نجاح متصفح الإنترنت من جووجل المسمى بنفس الإسم. يهدف هذا النظام المزمع تدشينه في بداية العام المقبل إلى تحقيق رؤية شركة جووجل في مستقبل الحواسيب الشخصية والتي تقتضي بتحويل جميع برامج الحاسوب إلى الإنترنت (حوسبة السحاب). بمعنى آخر، كل ما سيحتوي عليه الحاسوب الشخصي في المستقبل هو متصفح إنترنت وبرنامج تشغيل وسائط (Media Player)، وهذا بالضبط هو نظام التشغيل الجديد من جووجل. فالنظام الجديد ليس إلا متصفح إنترنت مع قدرة على تشغيل معظم الملفات السمعية والمرئية. ليس ذلك فحسب، بل سيكون هناك خدمة تنزيل البرامج على غرار برامج نظام أندرويد وبرامج الآي فون والتي سيتم حفظها في حوسبة السحاب بحيث سيتمكن المستخدم من الوصول لجميع برامجه من أي جهاز حاسوب في العالم. لذلك ستتميز الحواسيب المجهزة بهذا النظام بالسرعة الكبيرة في التشغيل وقلة إستهلاك الطاقة، وبذلك ستتطلب قدرات تقنية أقل تعقيداً من نظيراتها المجهزة بنظام ويندوز أي ستكون أقل سعراً أيضاً.
طبعاً تعتبر هذ الخطوة في رأيي الشخصي من أخطر الخطوات الواجب على شركة مايكروسوفت التنبه إليها. فهي قد تبدوا بأنها موجهه إلى مستخدمي الإنترنت وتطبيقاتها المختلفة فقط وقد يُضن بذلك بأنها بمنئى عن منافسة ويندوز بشكل مباشر والتي تأتي لإشباع جوانب أكثر للمستخدمين كأفراد أو شركات. الأمر الذي ينذر بمتاعب وتحديات مستقبلية جمة لمايكروسوفت إذا ما بلعت هذا الطعم ولم تحرك ساكناً. فإن إستطاعت شركة جووجل اليوم بثقلها الكبير تحويل أنظار مطوري البرمجيات والأفراد والشركات إلى حوسبة السحاب، فإن ذلك سيعتبر إيذاناً بنهاية نظام التشغيل ويندوز. فالفكرة هنا أن يبدأ مطوري البرمجيات الأكثر شيوعاً كالتي إعتدنا عليها في بيئة الحاسوب من أمثال تطبيقات المكتب ومعالجة الصور وملفات الوسائط وغيرها إلى تطوير نسخ مشابهة خاصة لبيئة حوسبة السحاب (وقد بدؤوا بالفعل). بذلك سيتمكن الفرد منا من إستخدام برمجياته المختلفة من أي جهاز وفي أي مكان في العالم على غرار إستخدامنا اليوم للبريد الإلكتروني الخاص بالويب من أمثال الجي ميل (Gmail) والهوتميل (Hotmail) وغيرهم. أظف إلى ذلك سعي وتشجيع جووجل المستمر للشركات الكبيرة بإستخدام حوسبة السحاب كبيئة منافسة لبيئة ويندوز، بحجة أن ذلك سيوفر على الشركات الكثير من الجهد والوقت اللازمين لتنزيل وتحديث البرامج في مختلف حواسيب الشركة. فلا تحتاج الحواسيب في هذه الحالة إلا إلى متصفح للإنترنت فقط، والذي سيكون هو ذاته نظام التشغيل. كل ذلك مما يشكل تهديداً حقيقياً على مستقبل نظام ويندوز ومستقبل شركة مايكروسوفت ككل. بقي فقط موضوع الخصوصية الإلكترونية وسرية معلومات المستخدمين والتي إذا ما أبدعت لها جووجل حلاً في المستقبل فتيقنوا بنهاية ويندوز.