السبت، ديسمبر 11، 2010

ضريبة النجاح

من منا لا يحب النجاح ويتمناه في جميع جوانب حياته. رغم ذلك فالناجحون في الحياة قلة والسبب يرجع غالباً للثمن أو ما يسمى بضريبة النجاح والتي لا يستطيع أكثرنا دفعها أو لا نرغب إجمالاً في تحمل تبعياتها. سنتطرق اليوم إلى تجربة نجاح ومعاناة جديدة لأحد أكثر المواقع الإلكترونية المثيرة للخلاف والجدل في الشبكة العنكبوتية اليوم وهو موقع ويكي ليكس (Wikileaks). فبعد النجاح الكبير والفكرة الغير مسبوقة التي جاء بها هذا الموقع، إنهالت عليه التحديات والصعوبات وحتى الهجمات والخيانات من جهات لم تكن بالحسبان. فهل سيستطيع الموقع الإستمرارية والنجاح في ظل هذه الظروف الصعبة المتتالية؟

فكرة هذا الموقع بسيطة وحساسة في آن واحد، فقد بدأ الموقع في عام 2006م بعرض أخبار وتقارير غاية في السرية عن مشاريع وأعمال حكومية من مختلف البلدان. يقوم الموقع بالتعامل مع العديد من المصادر الغير مكشوفة الهوية والتي عادةً ما تكون عبارة عن موظفين ساخطين أو أشخاص قادرين على إستغلال الثغرات الأمنية الإلكترونية أو تخطي إستراتيجيات الحماية السيئة المنفذة من قبل الجهات الحكومية. فطالما حذر المختصين في تقنية المعلومات من مخاطر الموظفين الغاضبين على أمن المعلومات داخل مختلف المؤسسات والذين عادةً لا يحتاجوا لأكثر من جهاز تخزيني رخيص (Flash Disk) ومنفذ للشبكة الداخلية للشركة للحصول على ما يريدون من معلومات. بغض النظر عن المصدر، فالتقارير في موقع ويكي ليكس تأتي بأشكال غاية في الدقة والرسمية مما لا يجعل أدنى شك لدى القارئ (المتصفح) من صحتها وبعض الأحيان تأتي على شكل ملفات صوتية أو مرئية (فيديو). حصل موقع ويكي ليكس على بعض الجوائز العالمية من أمثال جائزة الإعلام الجديد من مجلة الإقتصاد (Economist) في عام 2008م، وجائزة الإعلام البريطانية في فئة الإعلام الجديد في عام 2009م. كما صنفت جريدة النيو يورك في مايو من العام الحالي هذا الموقع في المرتبة الأولى كأحد أفضل المواقع القادرة على تغيير شكل الأخبار العالمية. وقامت أيضاً العديد من الحكومات (بدايةً) بالإشادة بهذا الموقع كونه يدعو للشفافية وحرية التعبير عن الرأي.

من أكثر المعلومات السرية التي تم عرضها في الموقع هي عن عمليات القتل الوحشية خارج نطاق القضاء الكيني. تسربت هذه المعلومات من خلال تقرير سري من اللجنة الوطنية الكينية لحقوق الإنسان عن العديد من عمليات القتل التي ترتكبها الشرطة الكينية في حق الشعب الكيني. هذا بالإضافة إلى العديد من التقارير والعمليات والخطط السرية عن حرب الولايات المتحدة على العراق الشقيق. من أكثرها إثارةً للجدل هو عرض ملف مرئي (فيديو) عن حادثة تظهر قتل القوات الأمريكية لبعض المدنيين العراقيين والصحفيين في عام 2007م، بالإظافة إلى آلاف التقارير من أفغانستان والكثير من البرقيات الدبلوماسية الأمريكية والتي جعلت السيل يبلغ حد الزُبى.

كل هذا جعل الموقع يحقق نجاحات متوالية وإقبال جماهيري كبير مما أنذر بموعد السداد (ضريبة النجاح) خصوصاً بعد تطرق التقارير لأسماء مهمة في الحكومات وبعض الأحيان إلى معلومات تدين أصحابها وتنذر بإستخدامها في المحاكم. ليس ذلك فحسب بل حتى الشركات التجارية العالمية يُتوقع أن تقع تحت مجهر الموقع في الأمد القريب مما ينذر بفضائح وخسائر مالية وإقتصادية متوقعة في المستقبل. فالواضح أن نجاحات هذا الموقع قد تسببت وستتسبب في تكوين الكثير من العداءات مع الكثير من الأفراد والحكومات والشركات ذات النفوذ، فماذا عساهم فاعلين؟

بدأت الصعوبات والهجومات تتوالى على الموقع خصوصاً مع بداية شهرنا الجاري. فقد قام العديد من قراصنة الحاسوب (المأجورين ربما) بشن الكثير من الهجمات الإلكترونية بغية تكسير وتشويه الموقع، مما أجبر الموقع المضيف (Web Host) وموقع النطاق (Domain) بالتخلي عن موقع ويكي ليكس خوفاً وإحتياطاً من تأثرهم وتأثر المواقع الأخرى المعتمدة عليهم. أظف إلى ذلك أن لجنة الأمن الداخلي بمجلس الشيوخ الأمريكي أظهروا غضبهم وإستيائهم من نشر الكثير من التقارير والمحادثات السرية الأمريكية وطالبوا جميع مواقع الإستظافة في الإنترنت بمقاطعة الموقع مما أجبر موقع ويكي ليكس إلى تحويل نطاق الموقع إلى دولة سويسرا مؤقتاً حتى يتم معالجة الموقف. ليس ذلك فحسب، فقد قام مؤخراً موقع باي بال (PayPal) المختص بعمليات الدفع الإلكترونية بالتخلي عن موقع ويكي ليكس أيضاً حيث كانت تتم فيه عمليات إيداع التبرعات والهبات من قبل مستخدمي موقع ويكي ليكس.

تعتبر هذه المرة الأولى التي تقوم فيها بعض الحكومات الداعلية للصدق والشفافية وحرية التعبير عن الرأي كالولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا بمحاربة القيم ذاتها التي تدعوا إليها. ليس ذلك فحسب فقد أخذت الحرب أبعاد أخرى، كالتقصي عن سابقات مؤسس ومدير الموقع (Julian Assange) الأسترالي الأصل ومحاولة الإيقاع به في قضية أخلاقية بالإضافة إلى سعي بعض أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي إلى سن قوانين تمنع نشر أسماء المخبرين والعسكريين الأمريكين في مثل هذه التقارير مما يعد بإجراءات قانونية أكثر صرامة على الموقع في المستقبل. كل ذلك يجعلنا نتسائل عن مستقبل هذا الموقع وما إذا كان سيستطيع الصمود؟ أم أن الأمر برمته ليس إلا تمثيلية كبرى في وجه الرأي العام العالمي؟

هناك 5 تعليقات:

  1. هذا و عندهم حرية الأي و لتعبير
    زين يوم بعده مؤسس لموع حي!!!!!!!
    لو عندنا عاد مقتول

    ردحذف
  2. أهتم باللغة العربية كثيرا و ألاحظ تقدم ملحوظ في اللغة دكتوري الفاضل خصوصا في هذا المقال و كأنه كتابة متخصص فاللغة ..............
    نفخر بك كعماني

    ردحذف
  3. أقصد في اللغة
    التقنية أفسدت اللغة دكتوري الفاضل اعتدنا على كتابة الرسائل القصيرة باختصار
    ننتظر مقال حول هذا الموضوع دكتوري

    ردحذف
  4. موضوع شيق جداً جداً دكتوري العزيز

    وموضوع يسيل لعاب الكثيرين لفرض تأويلات قد تكون في احيان كثيره غير منطقية!
    بدأ الكثيرون يميلون للرأي القائل بأن هذه الموقع ليس إلا أداة لـلتخريب بين شعوب المنطقة العربية وحكوماتها!!
    ربما اجد نفسي قد صدقت هذا القول للحظات لكن بعد قرأتي للكلام الذي وضعته هنـا دكتوري العزيز اجدني قد غيرت وجهة نظري تماماً حول الموقع،فلم اكن اعلم بتاتاً بأن بداية الموقع كانت في2006 وأنه كان ينتهج هذا النشاط منذ بدايته،فشخصياً لم اعرف ب ويكي ليكس إلا بعد الزوبعه الإعلامية التي اثارتها الوثائق السرية الأخيـرة..
    كل يوم نرى عجائب اخفتها أدراج السياسيين في البيوت البيضاء والقصور السوداء،لكنها يوماً بعد يوم تزيح الغموض وتزداد تشويقاً..

    لنرى إلى ماذا ستصل اوضاع ويكي ليكس ومؤسسه الذي بدأ الكل يبحث عنه ليصفي حسابه معه!
    كان الله في عونه..

    شكراً جزيلاً لك دكتوري على هذا المقـال الرائع،مترقبون لكل جديد :)

    ردحذف
  5. غير معرف يقول:
    أهتم باللغة العربية كثيرا وألاحظ (تقدم ملحوظ) في اللغة دكتوري الفاضل :):)

    ردحذف