نعلم جميعاً كيف أن للتقنية الحديثة التأثير الكبير في نجاح المؤسسات والشركات التجارية، فلا يختلف إثنان اليوم على أهمية التقنية في تنمية قطاعات العمل والمجتمع على حد سواء. بالرغم من هذا فقد تجلب التقنية أيضاً الصعوبات والتحديات للأفراد والشركات والدول مما قد يؤثر سلباً على إستمرارية ونجاح بعض الأعمال. يرجع السبب في هذا إلى التطور السريع للتقنية والتأثيرات السلبية للتنافس والإندماج العالمي المسمى بالعولمة. فتطور التقنية السريع قد يجعل مما هو جديد اليوم، قديم في الغد. فلنتذكر مثلاً كيف إستطاع الهاتف المحمول إلغاء وتهميش منتجات أجهزة التنبيه الصوتي المعروفة سابقاً بإسم البيجر أو البليب. مما يعني أن توظيف المؤسسات للتقنية الحديثة في عملها ليس هو نهاية المطاف بل بدايته. فيجب عليها صيانة التقنية بعد ذلك من وقت لآخر وإختبارها ضد متطلبات السوق والمستهلكين (المتغيرة بإستمرار) مما قد يستلزم إستبدالها بتقنيات أخرى أجدد أو أفضل وإلا فإن الخسارة والإفلاس قد يكون هو نهاية المطاف. من الأمثلة على هذا هو خسارة شركة آي ميت (i-mate) المنتجة للهواتف المحمولة الذكية بسبب منافسة أجهزة البلاكبيري والآي فون لها رغم نجاحها الكبير في الشرق الأوسط في بداية القرن الحادي والعشرين (طبعاً بالإضافة إلى أسباب أخرى).
أظف إلى ذلك أن التقنيات الجديدة لم تعد حكراً على الشركة المنفذة فقط ولم يعد توظيف الناس والمؤسسات للتقنية يحدث في صمت وسرية بل على العكس تماماً. ما أن تدشن (أو تستخدم) أحد شركات التقنية منتجاً جديداً ناجحاً إلا ونرى منتجات مشابهة أو حلول تقنية من شركات أخرى منافسة تحاول التفوق عليها. أنظر مثلاً في المنافسة الحالية بين منتجي الآي فون (iPhone 4) والآي باد (iPad) من شركة أبل (Apple) من جهة، ومنتجي الجالاكسي أس (Galaxy S) والجالاكسي تاب (Galaxy Tab) من شركة سامسونج (Samsung) من جهة أخرى. وقد يفرض أيضاً التنافس الشديد والتطور السريع في عالم التقنية على الشركات متابعة السوق فيما يخص حقوق ملكياتها الفكرية ومحاكمة كل من يسيء أو يستخدم منتجاتها أو تقنياتها بشكل غير سليم أو قانوني. فعلى سبيل المثال، إستطاعت شركة أوراكل (Oracle) مؤخراً أن تكسب 1.3 مليار دولار من شركة ساب (SAP) الألمانية بعد دعوى قضائية تقتضي بسرقة الشركة الأخيرة لبرامج الشركة الأولى. كما رفعت شركة مايكروسوفت في وقت سابق من هذا الشهر دعوى قضائية على شركة موتورولا بسبب إنتهاك الشركة الأخيرة لبعض قوانين براءات إختراع منتجات ويندوز 7 (Windows 7) وجهاز الأكس بوكس (Xbox 360) الترفيهي.
كما قد تتسبب التقنية في تغيير أسلوب عمل الكثير من الشركات والأعمال التجارية. الأمر الذي قد يجبر العديد من المؤسسات الخاصة إلى تبني إستراتيجيات تسويقية مختلفة. فعلى سبيل المثال بدأنا نرى تغير ملحوظ في عمل شركات تأجير السيارات. فالتوجه الجديد في هذا القطاع هو في تقاسم المركبات (Car Sharing) بين المستهلكين والذي تقوده اليوم بقوة شركة زبكار (Zipcar) الأمريكية. يقوم المبدأ هنا أساساً على التقنية في تأجير المركبات بالساعة أو الدقائق بدلاً من الأيام أو الشهور، بحيث لا يحتاج المستهلك إلى الذهاب إلى موقع الشركة لإستلام المركبة، فمركبات هذا النوع من شركات تأجير السيارات موجودة بيننا في مواقف عامة وجاهزة للإستخدام (المفتاح بالداخل). كل ما على الزبون عمله هو الحصول على إشتراكية (مسبقة الدفع أو مربوطة بحساب بطاقة الزبون الإئتمانية) تأتي على شكل بطاقة ذكية يستطيع من خلالها الزبون فتح سيارات الشركة بعد حجزها. تعمل هذه البطاقة بتقنية تعريف الهوية بإستخدام ترددات الراديو (RFID) والتي تطرقنا إليها في المقالة السابقة. فعند رغبة أحدنا بإستئجار سيارة معينة لفترة زمنية محددة يجب علية حجز السيارة عن طريق موقع الشركة (بإستخدام الحاسوب أو الهواتف المحمولة الذكية) أو بإستخدام بعض البرامج الحديثة المخصصة لبعض أنواع الهواتف الذكية من أمثال الآي فون. تساعد الهواتف الذكية اليوم شركة زبكار في عرض مواقع السيارات الأقرب لموقع الزبون بإستخدام ميزة تحديد المواقع عن طريق الأقمار الصناعية (GPS) المدمجة في هذه الهواتف. بعد إتمام عملية الحجز، ما علينا إلا الذهاب إلى موقع السيارة وتقريب البطاقة من الزجاج الأمامي للسيارة وستتعرف التقنية المدمجة في المركبة على البطاقة وتتأكد من حجزك المسبق لها وستفتح الأبواب لك بشكل آلي (مدهش).
مثل هذه التقنية الجديدة التي أبدعت أسلوب عمل جديد في قطاع تأجير السيارات قد يفرض على باقي شركات التأجير تبني نفس التقنية أو على الأقل التخطيط لكيفية التعامل مع هذا النوع الجديد من الأعمال في القطاع. فتجاهل مثل هذا التطور والعمل بالأسلوب المعهود دون تغيير إستراتيجي عملي يعتمد على تقنيات جديدة قد يودي بنتائج وخيمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق