إنتشرت في هذه الأيام الكثير من أجهزة الأمن والمراقبة في مختلف الجهات والمناطق. فهناك أجهزة خاصة بالمنازل والتي يمكن أن يقوم فيها صاحب المنزل بمراقبة ما يجري في بيته أثناء غيابه عن طريق الإنترنت (كالتجسس على الخادمة مثلاً). ومنها ما يقوم بإرسال رسائل نصية إلى الهاتف النقال لصاحب المنزل عند إستشعار أي حركة مشبوهة أو تخريب في البيت. كذلك إنتشرت أجهزة مراقبة أخرى في أماكن العمل للتجسس أو بالأحرى لمراقبة الموظفين والمراجعين ضد أي إنتهاك لقوانين العمل. طبعاً معظم هذه الأجهزة مزود بالقدرة على التسجيل المرئي (الفيديو) وربما الصوتي كذلك مع ميزة التكبير/التقريب (الزووم) وربما أكثر من ذلك. الأمر الذي قد يثير الفضول فينا عن الضوابط أو القوانين الواجب إتباعها من قبل الأفراد أو المؤسسات عند القيام بالمراقبة. فعند زيارتك المقبلة أخي القارئ وأختي القارئة لفرع البنك حيث حسابك الشخصي أو ربما عند تسوقك في أحد المحلات المزودة بأجهزة المراقبة (وما أكثرها)، ألا ينتابك تساؤل عن الأشخاص الذين يقومون يتصويرك (تسجيلك) في ذلك الوقت وكيف يمكن أن يتلاعبوا بهذه الأجهزة لمصالح شخصية دون علم منك؟ ألا تعتبر سوء إستخدام أجهزة المراقبة هذه وغيرها إنتهاك لخصوصية الزائر أو الزبون؟
تكلمنا في مقالة سابقة عن القضية التي أُتهمت فيها شركة إتصالات الإمارتية بالتجسس على عملائها من أصحاب أجهزة البلاكبيري حيث قامت الشركة بإرسال تحديث لتحسين أداء خدمات الجيل الثالث في أجهزة البلاكبيري تبين بعد ذلك أن هذا التحديث يحمل في طياته برنامجاً للتصنت على مكالمات ورسائل المستخدمين. وكذلك ناقشنا في أحد المقالات السابقة كيف تعرضت شركة جووجل للهجوم في محاولة للتجسس على حسابات البريد الإلكتروني لبعض الناشطين الصينيين في حقوق الإنسان، وإليكم اليوم أخواني القرّاء أحدث قضايا التجسس المثيرة للجدل في الولايات المتحدة الأمريكية. رفع أولياء أمر أحد طلاب الثانوية العامة في أحد أحياء ولاية فيلادلفيا الأمريكية هذا الشهر دعوى قضائية على المدرسة بحجة أن المدرسة تتجسس على طلابها بإستخدام الكاميرات المدمجة في أجهزة الحاسوب المحمولة (اللابتوب) الخاصة بالطلاب. تبين ذلك بعد أن قام أحد المسؤولين بالمدرسة بتوبيخ أحد الطلاب (الذي رفع القضية بعد ذلك) بأنه يقوم بأعمال مشينة في المنزل مستشهداً بصورة مأخوذه عن طريق الكاميرا المدمجة في جهاز اللابتوب الخاص بالطالب. تجدر الإشارة هنا أن المدرسة قد قامت في وقت سابق بتوزيع أجهزة لابتوب من نوع ماك بوك (MacBook) على ما يقارب من 1800 طالب من خلال برنامج تعليمي مدعوم مادياً من قبل الولاية والحكومة الفيدرالية الأمريكية. وكعمل إحترازي ضد عمليات سرقة الأجهزة المنتشرة بين الطلاب، قامت المدرسة بتطوير نظام أمني (دون علم الطلاب) يقوم بتشغيل الكاميرا المدمجة في هذه الأجهزة عن بعد وإلتقاط الصور منها. طبعاً الفكرة هنا أن تقوم المدرسة بتفعيل هذا النظام عند حدوث السرقات فقط وليس في كل وقت مما إعتبره الطلاب إنتهاكا لخصوصياتهم. أثارت هذه القضايا وأخرى كثيرة زوابع من الإنتقادات والتحليلات والتي تركزت جل محاورها حول قضية إنتهاك خصوصية المستخدم. فما هو يا ترى المقصود بالخصوصية؟
يمكن تعريف مفهوم الخصوصية الشخصية بأنها حق الفرد منا أن يُترك لوحده دون إزعاج أو تدخل في شؤونه الخاصة. هناك كذلك خصوصية المعلومات الشخصية وهي المعلومات الخاصة بالواحد منا والتي يتم تخزينها إلكترونياً أو حتى بشكل مكتوب. فالواحد منا له الحق أن يحدد نوع وكمية المعلومات الشخصية التي ممكن أن تسجل عنه وتنشر ومتى يمكن أن يتم ذلك أيضاً. فمبدأ الخصوصية يستلزم قوانين تشريعية من الدول والحكومات تبين بوضوح من يمتلك هذه المعلومات، هل هي ملك خاص لصاحب المعلومات أم هي للجهة المخزنة أم للإثنين معاً؟ أظف لذلك من الذي يمتلك القدرة على قراءة أو تعديل هذه البيانات دون علم صاحب المعلومات؟
من جانب آخر، يجب التنبيه هنا أن خصوصية الفرد منا أقل أهمية من المصلحة العامة. فإن كان من المصلحة العامة معرفة بعض المعلومات الشخصية عن بعض الأفراد والتي قد تكون ذات مغزى أخلاقي أو إجرامي وخلافه فليكن ولكن بضوابط وربما بسرية تامة لضمان عدم التشويه والتشهير بصاحب المعلومات. أظف إلى ذلك أن بعض الناس قد يضن بأن الموضوع أبسط من أن يهتم به أو أن يناقش وربما هذا ناتج عن إختلاف نظرة الناس في العالم بصفة عامة حول موضوع الخصوصية. فحين نرى مثلا الكثير من الناس في الغرب لا يحبذوا مناقشة قضاياهم الصحية (الأمراض المزمنة) بين العامة، نجد الكثير منا هنا في السلطنة يتسامرون ليلاً ونهاراً عن مشاكلهم وبعض معاناتهم الصحية وربما مع أناس يرونهم لأول مرة.