ربما تتذكروا أخواني القرّاء أنه في يناير الماضي أعلنت شركة جووجل (Google) الأمريكية بأنها تلقت هجوما إلكترونياً في شهر ديسمبر من عام 2009م مصدره جمهورية الصين الشعبية وأنها تهدد الصين بالإنسحاب من أراضيها. ليس ذلك فحسب، بل أعلنت جووجل كذلك بأنها لن تقوم بمراقبة (censor) عمليات البحث التي تصدر من الصين رغم كون عملية المراقبة هذه هي أحد أهم البنود التي تم الإتفاق عليها قبل 4 سنوات تقريباً بين الشركة والصين للسماح للشركة لفتح فرع لها داخل البلد. جاء ذلك الإعلان مصاحباً بسرية وتكتم كبيرين لماهية هذا الهجوم وكيفيته، الأمر الذي فتح الباب على مصراعيه لكثير من التكهنات والتحليلات من قبل المحللين الفنيين وشركات الأمن الإلكتروني في العالم. تم إكتشاف تفاصيل هذا الهجوم والذي يسمى الآن بعملية الشفق (Operation Aurora) من قبل شركات الأمن وقد قامت شركة مكافي (McAfee) بإطلاق هذا الأسم على الهجوم معتقدةً بأن (Aurora) هو الأسم الداخلي الذي أعطي للعملية من قبل المهاجم. سنحاول اليوم في هذه المقالة تسليط الضوء على هذه القضية ومحاولة معرفة حيثيات هذا الموضوع وما إذا كانت شركة جووجل هي المجني عليه فعلاً أم أنها هي الجاني؟
تشير التحليلات الفنية أن الهجوم بني على ثغرة أمنية في متصفح الإنترنت إكسبلورر 6 والتي سمحت للمهاجم بتمرير بعض البرمجيات المشبوهة للحواسيب من خلال مواقع في الإنترنت معدة مسبقاً لذلك. من هذه البرمجيات فيروس من نوع حصان طروادة (Trojan) إسمه هايدراك (Hydraq) والذي يقوم بفتح باب خلفي في الكومبيوتر المصاب يستطيع من خلاله المهاجم الحصول على أي معلومات خاصة من ذلك الجهاز بإستخدام تقنية شبكة الحوسبة الإفتراضية (virtual network computing). أضف إلى ذلك، إستطاعة المهاجمين إستخدام مواقع الشبكات الإجتماعية كأمثال الفيس بوك (Facebook) من خلال الأجهزة المصابة لمراقبة وجمع معلومات عن صاحب الجهاز وأصدقائه في هذه المواقع. فإن كنتم أخواني القرّاء من مستخدمي النسخة السادسة من متصفح إكسبلورر في ذلك الوقت وقمتم بزيارة أحد هذه المواقع المشبوهة، فبالتأكيد أن جهازكم الآن يحتوي على هذا الفيروس.
أعلنت شركة جووجل في الثاني عشر من يناير المنصرم بأنها تلقت هجمات مستمرة من هذا النوع في ديسمبر الماضي مصدرها جمهورية الصين الشعبية تهدف للدخول إلى حسابات البريد الشخصي جي ميل (Gmail) خاصة لبعض الناشطين الصينيين في حقوق الإنسان. إدعت جووجل هنا أن المصدر كان الحكومة الصينية وأن السبب هو التجسس على هؤلاء الناشطيين في حقوق الإنسان والذين بطبيعة الحال يرفضوا فكرة مراقبة عمليات البحث وحضر الكثير من المعاملات الإلكترونية. وعلى ذلك أعلنت الشركة بأنها ترفض مبدأ مراقبة عمليات البحث وهددت بأنها ستغلق فرعها في الصين إن لم توافق الدولة أن تقوم الشركة بعمليات بحث خالية من جميع انواع المراقبة. بعد هذه الحادثة أعلنت شركة مايكروسوفت بانها كانت على علم بهذه الثغرة الأمنية منذ سبتمبر 2009م وقامت بعد أسبوع من إعلان شركة جووجل بالحادثة بتطوير تحديث للمتصفح لتصحيح وعلاج هذه القضية.
السؤال هنا، لماذا وافقت شركة جووجل في البداية بعمل المراقبة على عمليات البحث في الصين والآن تحاول أن تزيل هذا الحضر؟ إن كان السبب بالفعل أن الشركة بدأت الآن (بعد الهجوم) تؤمن بمبدأ حرية وحقوق الإنسان لماذا نرى إذاً موقفها متردداً في الخروج من الصين؟ الأمر الذي نستنتجه من تصريح المدير التنفيذي للشركة (إريك شميدت) في المنتدى الإقتصادي العالمي في نهاية يناير الماضي بأنها فقط أرادت أن تضغط على الحكومة الصينية في إعادة النظر في موضوع المراقبة ولكنها سوف تستمر بالعمل داخل الصين. أضف إلى هذه التساؤلات، لماذا لم تقوم أصلاً شركة مايكروسوفت بدايةً بتصحيح الثغرة الأمنية رغم علمها المسبق بها؟
في رأيي الخاص، أرى أن الموضوع ينصب ويدور حور المصلحة المادية (الأرباح) فقط. فإن كان من المربح للشركة أن تغض النضر عن موضوع حقوق الإنسان وأن تدع الحكومات تعمل وتدير شعوبها مثل ما تريد فليكن. وإن كان من المربح للشركة أيضاً أن تتغاضى عن هفوات أمنية في منتج سابق ربما لا يستخدمه الآن مستخدمين مهمين مربحين، فليكن. فنرى شركة جووجل تثير قضية حقوق الإنسان اليوم ربما لإستمالة قلوب الناشطين الصينيين في هذا المجال ولتخفيف ضغط وإنتقادات الرأي العام الأمريكي عن سبب دخولها السوق الصين قبل أربعة سنوات. ونرى شركة مايكروسوفت تسارع بالإعلان عن علمها بالموضوع (لا يوجد دليل) وتصحيح الثغرة في مدة زمنية قياسية (أسبوع تقريباً)، ربما للمحافظة على ثقة المستخدمين والمعجبيين بمنتجات الشركة. أضف إلى ذلك إحتمالية وجود بعض الأغراض السياسية فيما بين العلاقات الأمريكية الصينية والتي تبينت بعد الحادثة من إعلان وزيرة الدولة الأمريكية (هيلاري كلنتون) بأنها بصدد إجراء تحقيق شامل وشفاف في القضية بالتعاون مع الحكومة الصينية بالرغم من إنتقادها المبطن لموضوع حقوق الإنسان في بعض الدول ذات الحكومات القمعية وكأنها تشير إلى الصين. الأمر الذي جعل وسائل الإعلام الرسمية الصينية تعلن بأن الموضوع أجمل ليس إلا مؤامرة أمريكية، فهل هو كذلك بالفعل؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق