الأحد، مارس 21، 2010

هل أنت مع البرمجيات الحرة أم المحتكرة؟

هل تحلم بعالم مليء ببرامج الحاسوب التي يستطيع أصحابها أن يقوموا بنشرها وتوزيعها على من يريدوا بدون إستئذان. ويمكنهم كذلك أن يدرسوها وتعلم كيف تم بنائها وتطويرها، وأن يغيروا ويعدلوا فيها كيف ما شائوا وبعد ذلك بيعها أو فقط نشرها بالمجان لجميع الناس. هذا العالم سيقلب موازين كل ما ألفناه من مبادئ تطوير وشراء برمجيات الحاسوب والتي تمنع النسخ بموجب قوانين الملكية الفكرية، حتى أن في بعض الأحيان يُمنع المستخدم من تثبيت البرنامج في أكثر من جهاز شخصي داخل البيت. فالفكرة هنا أن شركات البرمجيات تضع الكثير من القيود علينا نحن المستخدمين في كيفية التعامل مع برامج الحاسوب بعد شرائها، فلا نستطيع أن ننسخها لغيرنا ولا أن نعدل فيها أو دراستها ولا حتى تثبيتها في جميع أجهزتنا الشخصية. وقد تتضمن البرمجيات أيضاً طرق حماية (تجسس) من قبل الشركة المطورة لضمان عدم خرقنا لهذه القوانين والتي قد تودي بأحدنا إلى دفع الغرامات أو السجن حسب ما يأتي في إتفاقيات الإستخدام. فإن لم نستطع نحن كمستخدمين فحص ودراسة البرنامج، فكيف نضمن عدم خلوه من طرق تجسس لأسباب وأهداف تتعدى حماية الملكية الفكرية؟ ومما يزيد القلق أيضاً إنتشار هذه البرمجيات ليس فقط بين الأفراد ولكن حتى بين الشركات والجهات الحكومية والأمنية مما يجعلها عرضة للتجسس دون سابق علم. فالمسألة أصبحت تخص الأمن القومي للدول، فهل يا ترى الحل في البرمجيات الحرة (Free Software


إستضافت جامعة السلطان قابوس الأسبوع الماضي "رتشارد ستولمن"، رئيس مؤسسة البرمجيات الحرة بالولايات المتحدة الأمريكية ومطور أنظمة (GNU) و(Linux)، والذي قدم محاضرة بعنوان "فلسفة البرمجيات الحرة: تداول، أخلاق، ممارسة". تطرق المحاضر إلى جوانب عديدة من هذه الفلسفة والتي تدور حول تحرير برمجيات الحاسوب من القيود. فالهدف هنا أن يحصل المستخدمين على الحريات التالية بعد شراء أي برنامج خاص بالحاسوب (1) الحرية في إستخدام البرنامج لأي غرض سواءاً كان غرضاً شخصياً أو تعليمياً أو تجارياً (2) الحرية في دراسة كيفية عمل البرنامج وإجراء التعديلات عليه (3) الحرية في إعادة توزيع البرنامج لمساعدة الآخرين في الإستخدام والدراسة والتطوير سواءاً بالمجان أو نظير رسوم معينة (4) الحرية في توزيع البرنامج بعد إجراء التعديلات عليه كذلك إما بالمجان أو لقاء رسوم مادية. يجب التنبيه هنا أن هذه الحركة لا تهدف في نشر البرمجيات بالمجان، بل على العكس تشجع حركة البرمجيات الحرة على بيع البرمجيات وتبادلها لقاء مبالغ مادية قد تختلف بإختلاف البائع أو الموزع.


أشار "ستولمن" أن هذه الحريات الأربع تنعكس على جميع جوانب الحياة التي نستخدم فيها التقنية وبرمجيات الحاسوب كالجانب التعليمي مثلاً، حيث تقوم معظم الجهات التعليمية اليوم بتدريس منتجات محتكرة (Proprietary Software) من أمثال منتجات شركة مايكروسوفت (Microsoft) وأدوبي (Adobe) وأبل (Apple). في هذا الجانب إعتبر "ستولمن" أن قيام المؤسسات التعليمية بإستخدام البرمجيات التجارية المحتكرة من أكبر الخطايا التي قد ترتكب في حق الأطفال والناشئة. حيث تسعى مثل هذه الشركات (من وجهة نظره) إلى تسويق منتجاتها بشكل مغري لهذه الجهات التعليمية بهدف تحقيق أرباح خيالية في المستقبل من خلال تكوين ولاء (Loyalty) بين الطلبة لمنتجات الشركة دون إعطائهم القدرة على دراسة كيف تعمل هذه البرمجيات أو إحداث تعديلات عليها. ليس ذلك فحسب، فإن دراسة الأطفال في المدرسة لبرمجيات شركة معينة مثلاً، سوف تُجبر أولياء الأمور أن يشتروا نفس المنتجات في البيت أيضاً لضمان عمل الملفات المستخدمة وملائمة معرفة أبنائهم الفنية. بعد ذلك سيقوم الأولاد في المستقبل بإستخدامها والتوصية بإستخدامها في العمل من باب "من شب على شيء شاب عليه"، دون أدنى علم بكيفية عملها أو القدرة على تعديلها أو محاولة إستبدالها بنتج آخر أو حتى نسخها وتوزيعها. وعند إنتشارها لدى الأفراد، ستجبر الدولة في إستخدام نفس البرمجيات لتتماشى مع المعرفة العامة. أظف إلى ذلك أنه كلما نزل إصداراً جديداً في السوق، بات على الناس (عاجلاً أم آجلاً) أن يشتروا ويثبتوا الأصدار الجديد في أجهزتهم المنزلية وأجهزة العمل بغض النضر إن أعجبهم التغيير والمزايا الجديدة أم لا. ليس هذا على المستوى الفردي فقط، بل حتى على مستوى المنظمات والشركات والدول (تخيل الأرباح). فينظر "ستولمن" أن من الواجب على برمجيات الحاسوب أن تكون حرة تتيح للمتعلم دراستها وتعديلها وحرية نشرها وإستخدامها على النحو الذي يريد المستخدم ليس على النحو الذي تريد الشركة، مما لا يدع مجالاً أمام الإحتكار وتحقيق الأرباح الخيالية.


طبعاً قد يتسائل البعض كيف تختلف هذه البرمجيات الحرة (Free Software) عن البرمجيات ذات المصدر المفتوح (Open Source Software). في حقيقة الأمر، نشأت حركة البرمجيات ذات المصدر المفتوح من خلال مبدأ البرمجيات الحرة في عام 1998م لتجنب سوء الفهم الذي قد ينتج من إستخدام مصطلح البرمجيات الحرة ولتسويق الفكرة لدى رجال الأعمال ذوي العلاقة. مع مرور الوقت أخذ المصطلحين يأخذان منحنيين مختلفين. فالإختلاف حالياً يكمن في التركيز والأهداف المرجوة. فمنظور البرمجيات ذات المصدر المفتوح هو حول كيفية تطوير وبناء البرمجيات، أما البرمجيات الحرة فمنظورها إجتماعي من حيث تعميم حرية الأفراد في كيفية إستخدام برمجيات الحاسوب فيما بينهم. فبعد كل هذا ما رأيك أخي القاريء أختي القارئة، هل أنت مع توجه البرمجيات الحرة أم لا؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق