كثر الحديث عن الاصلاح المطلوب في السلطنة في شتى ميادين الحياة الادارية والاقتصادية وصار الواحد منا يصبح ويمسي على أخبار مظاهرات واعتصامات ومطالبات اتسمت بعضها بالعقلانية والشرعية والأخرى بالسطحية. كل ذلك مما يطلبه الشعب اليوم من اصلاحات وتعديلات على الحكومة أن تأخذها محمل الجد. بدأت أتذكر مع مرور الوقت المقولة الشهيرة للرئيس الأمريكي الأسبق جوون كندي «لا تسأل عن ما تستطيع البلاد تقديمه لك، بل اسأل عن ما تستطيع أنت تقديمه للبلاد». أعتقد أنه آن الأوان اليوم لنسأل أنفسنا ماذا علينا أن نعمل نحن معشر الشعب العماني بعدما تحققت أغلب المطالبات التي نادينا بها؟ فعند وصفنا لبعض الدوائر الحكومية بالفساد، فما هي هذه الوحدات الحكومية في نهاية المطاف؟ أليست عبارة عن مجموعة أفراد من الشعب تربطنا بهم قرابة رحم أو نسب أو معرفة؟ أليس هناك نظام كامل نحن جزء منه قد ساعد بشكل مباشر أو غير مباشر أو ربما غض الطرف أحياناً عن هذا النوع من الفساد؟ باختصار، ماذا بعد الاصلاح العام في البلاد؟ وماذا علينا اليوم عمله تجاه الأوامر السامية (بالاضافة الى الشكر والعرفان) والتي أوجدت البيئة المناسبة للحرية الشعبية والمحاسبة الادارية؟
شهدت عماننا الحبيبة الكثير من عمليات الاصلاح في الأسابيع الماضية والتي أظهرت ملحمة ولاء وحب متبادلين بين الشعب والقائد تخطت جميع الحواجز البيروقراطية. الأمر الذي يشير الى أن عام 2011 سيشهد نقطة ارتفاع حادة في منحنى تطور النهضة العمانية ينبع من اكتساب الشعب العماني الحرية المطلوبة للتعبير عن الرأي ودعم القيادة لهذا الحق. الأمر الذي من شأنه احتضان الابتكار والابداع الفكري والعلمي والعملي. فالتطوير المبدع لا يتأتى الا باطلاق العنان للحريات مع الأخذ بضوابط الأخلاق والمصلحة العامة، فلا حرية مع سوء الأدب أو عند ايذاء الآخرين.
في رأيي الخاص، أرى أن أهم عمليات الاصلاح في البلد قد تمت ويجب أن تبدأ من جديد مرحلة العمل والبناء والتي يجب أن نشارك فيها جميعاً، شيباً وشباناً، موظفين وباحثين عن عمل، نساء ورجال، متعلمين وأميين. على كل واحد منا اليوم أن يضع نصب عينيه الحديث النبوي الشريف "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" ويحسن تطبيقه بكل حذافيره. فالموظف الذي (يسرق) الأدوات القرطاسية من مؤسسته الحكومية أو الخاصة من أجل أبنائه وذلك الذي يستغل التسهيلات المتاحة في مؤسسته كالهاتف والسيارة الحكومية وخلافها لأغراض شخصية ليس في رأيي بأقل فساداً من ذلك المسؤول الكبير الذي يسرق بالملايين. فكل واحد يسرق أو يفسد (على قياسه) ولو وضع الموظف الفاسد الصغير مكان المسؤول الكبير لربما زاد في طغيانه.
قال تعالى «لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم»، فالاصلاحات التي تمت على أرض الواقع لن يكون لها الأثر الكبير على اقتصادنا وأمتنا ما لم نبدأ باصلاح أنفسنا من الداخل. فالقائد قد قال كلمته وأمر بالعديد من الاجراءات المعلنة وغيرها التي لا أشك شخصياً بأنها طور الدراسة أيضاً للارتقاء بالمستوى المعيشي للمواطن العماني وبما يكفل للجميع الحياة بكرامة وعز. لذلك وجب علينا اليوم التوقف عن القاء عبارات الاتهام واللوم على الغير واتخاذ الآخرين أحياناً كشماعات نعلق عليها اخفاقاتنا. فقد تم وضع الهيكل الأساسي لنظام المحاسبة الادارية في البلاد باعطاء كل من مجلس عمان ومجلس الشورى والادعاء العام وغيرها من الجهات الحكومية ذات الأهمية الصلاحيات المناسبة. فالواجب علينا اليوم كمواطنين محبين لهذا الوطن استغلال هذه التسهيلات الاستغلال الأمثل للحد من الفساد وكبت جماح كل من تسول له نفسه خيانة المسؤولية التي أوكلت اليه. كما أرى بعد ذلك أن نقوم بمساعدة رؤسائنا في العمل خصوصاً وزرائنا الجدد بتعريفهم بنقاط الضعف والقوة داخل مؤسساتنا الحكومية وعدم إثقال كاهلهم بالمطالبات المبالغ فيها خصوصاً المادية. فالواجب أن نولي أولوية قصوى في البداية الى الاصلاحات التي تهدف الى تنظيف الفساد الداخلي القائم على بيروقراطية العمل وخيانة الأمانة والاخفاق في توزيع المهارات والمعارف والكفاءات داخل المؤسسة التوزيع الأمثل، ولا ننسى طبعاً الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بدلاً من السكوت عن الحق.
كما أن على مختلف المسؤولين في الحكومة صغيرهم وكبيرهم تجنب سياسة الأبواب المغلقة. فكم من المرات سابقاً زرت بعض الدوائر الحكومية واستغربت من بعض المديرين الحكوميين كيف كانوا يستمتعون باغلاق أبوابهم أمام المراجعين وتعيين مختلف المنسقين لترشيح الطلبات (أو تأخيرها) حتى أن بعضهم تخطى ذلك بتعيين رجال أمن! ما هذا الخوف ولماذا هذه العزلة ممن سنسأل عنهم يوم القيامة فرداً فرداً. فالرأي يواجه بالرأي والعمل مسؤولية أولاً وليس تشريفاً، فهناك فرق بين المدير والمالك، فالمدير مؤتمن وعامل في المؤسسة وليس مالكاً لها يتصرف فيها كيفما شاء. علينا كذلك أن نسعى الى الاتقان في العمل بدايةً من (الفرّاش) الذي يحضر الشاي للموظفين وانتهاءً بالوزير الذي جل اهتماماته التخطيط الاستراتيجي والعمل على تنفيذ خطط الدولة بما فيه المصلحة العامة للدولة والشعب. وأخيراً وليس آخراً علينا جميعاً حكومة وأفرادا الانتباه كل الانتباه وبشكل سريع وطارئ الى وضع التعليم في البلاد. فأنا مدرس في جامعة السلطان قابوس التي تعد أفضل صرح علمي في البلد والتي تستقطب زبدة طلاب السلطنة سنوياُ، صدقوني اخواني وأخواتي اذا أخبرتكم أن هناك فجوات علمية وثقافية وحياتية بين طلاب اليوم وطلاب العقود الماضية، فلننتبه!.