بداية نبارك لكم أعزائي القرّاء دخول العشرالأوائل من شهر ذي الحجة،
سائلين الله المولى القدير أن يعيدها علينا وعلى بلادنا وسلطاننا المفدى أعواما عديدة
بالخير واليمن والبركات .
لطالما اعتقد الكثيرون بأن لتقنية المعلومات مساوئ عدة منها ما قد
يترتب على إحلال الآلة والحواسيب مكان البشر من تزايد عدد الباحثين عن عمل وتضاعف عدد
غير العاملين في مختلف البلدان. ولطالما كانت إجابة المختصين في التقنية لهذه
الظاهرة بأنها قد تكون صحيحة في الأمد القريب أو لبعض الوقت فقط وفي المقابل ستوفر
التقنية وقطاعها الحيوي فرصا عمل أكثر وأكبر في المستقبل البعيد. طبعا لم يعد أحد
يناقش أو ينتبه لهذه الظاهرة بشكل عام، الأمر الذي يؤكده إقبال الدول المتقدمة
والنامية على سواء على تطوير قطاع التقنية والاتصالات إيمانا بأهميته في تنمية
جميع القطاعات الأخرى. فقد أصبح اليوم قطاع التقنية من أساسيات البنى الأساسية
لجميع الدول والذي تعتمد عليه بقية المشاريع التنموية كما يعتبر أيضا من أهم
المؤشرات الإقتصادية لتعزيز مكانة الدول التنافسية إقليميا وعالميا.
قام الباحثان الإقتصاديان إرك برنيوفسن (Erik
Brynjolfsson) وأندرو مكافي (Andrew McAfee) في كتابهما الذي نشر قبل
عدة أيام فقط تحت عنوان "سباق ضد الآلة"
(Race Against The Machine) بإثارة زوبعة من التساؤلات والبراهين على أن التقنية الحديثة ليست إلا
سلاحاُ لزيادة غنى الأغنياء وفقر الفقراء. فالتقنية
في نظر مؤلفي الكتاب باتت اليوم تهدم الأعمال بدلا من خلقها. الأمر
الذي ساهم بشكل مباشر في ازدياد عدد الباحثين عن عمل في العالم. ليس ذلك فحسب،
فالباحثان يؤكدان ايضا بالأدلة بأن التقنية في مجملها تعتبر من أهم أسلحة قادة
الشركات والمؤسسات المختلفة لتحقيق الأرباح الطائلة على حساب صغار الموظفين الذين
عادة ما يتم الإستغناء عنهم بسبب استخدام الآلات والبرمجيات. فالتقنية قد تظهر لنا
تقدما وازدهارا في الإقتصاد المحلي أو الإقليمي أو الدولي. الأمر الذي لا يعني
بالضرورة بأن ذلك في صالح جميع فئات الناس. فهناك تقنيات وبرمجيات ألغت بعض
الوظائف كتلك الأعمال التي حلت مكانها الأجهزة الآلية (Robot)
في تصنيع السيارات. كما أن هناك وظائف مهددة بالزوال في القريب العاجل
كبعض وظائف مكاتب السفر والتي تواجه تهديدا كبيرا من مواقع الحجوزات الإلكترونية
في الإنترنت، وقس على ذلك. لا يعتبر هذا الكتاب بجديد فقد قام كذلك المهندس ورجل
الأعمال مارتن فورد بإصدار كتاب بعنوان "الأضواء في النفق" (The lights in the Tunnel) في عام
2009 تطرق فيه إلى مستقبل الاقتصاد العالمي مع التطور الملحوظ في التقنية وأتمته الأعمال
والعولمة بشكل عام والذي أكد فيه كذلك ان للتقنية مساوئ يجب على الجميع اليوم
معرفتها والتخطيط لها خصوصا تلك التي قد تؤثر على التماسك المجتمعي والنظام
الإقتصادي بشكل عام في البلدان.
عند التأمل في محتوى هذين الكتابين سنجد تركيزهما على الدول المتقدمة
بشكل عام وعلى الولايات المتحدة بشكل خاص كون هذه الدول تشهد اليوم طفرة كبيرة وتنافسا
شديدا في قطاع التقنية ونظم المعلومات. الأمر الذي يتيح الفرصة لنا نحن في الدول
النامية لاكتساب الدروس من هذه التجارب وتجنب السلبيات التي قد تقع في المستقبل.
الأمر الذي قد يعتبر من إيجابيات (التخلف) القليلة إذا صح التعبير. فإذا تبينت صحة
زعم هؤلاء المؤلفين وغيرهم من الباحثين فأمامنا اليوم فرصة لتجنب الوقوع في سلبيات
التوظيف الشامل والسريع وغير المدروس للتقنية. طبعا علينا أن لا ننتظر الحلول من
الدول المتقدمة لنقوم بتطبيقها دون دراسة لمدى ملاءمتها لبيئتنا ومقدار حاجتنا
لها. فيجب أن نبدأ بدراسة السلبيات الحالية والمتوقعة لانتشار التقنية بجميع
أنواعها ووضع نتائج هذه الدراسات في عين الاعتبار عند صياغة خططنا المستقبلية
قصيرة الأمد والاستراتيجية بشكل خاص.
سُئلت الأسبوع الماضي في برنامج البث المباشر الإذاعي عن نفس القضية
وهي تخوف بعض الناس من التقنية لاعتقادهم أنها تساهم في تهميش وإلغاء وظائف بعض العاملين
خصوصا أصحاب الأعمال المتوسطة والصغرى. في رأيي المتواضع أن المسؤولية مشتركة بين
الموظفين وأرباب العمل. فعلى الرؤساء في العمل النظر في كيفية تحفيز العاملين
دائما وحضهم على حسن المبادرة في العمل وعلى اكتساب المهارات والعلوم الجديدة باستمرار.
كما أن على الموظفين أيضا باختلاف أعمالهم ومستوياتهم الوظيفية أن يستشعروا
باستمرار التغييرات والتطورات من حولهم على مستوى جهة العمل والدولة والعالم بشكل
عام. فالتغييرات لن تحدث في غمضة عين بل سيتم
استحداثها وتبنيها بتدرج مما يسهل على الموظف الفطن معرفتها والإحساس بها والنظر
في كيفية التعامل معها. فإما ان نتجاهلها ان كنا مستعدين لها مسبقا، أو سيترتب
علينا تعلم مهارات جديدة في نفس التخصص أو ربما تغيير التخصص وأسلوب العمل بشكل
جذري.