الثلاثاء، ديسمبر 06، 2011

إدارة المؤسسات بالقهوة والتمر


يهدف علم الإدارة بشكل عام إلى توظيف الكفاءات البشرية لتحقيق الأهداف المنشودة بشكل فعّال مستغلين في ذلك التسهيلات والمصادر المتاحة أحسن استغلال. لذلك يهدف المديرين بالتحديد إلى عمل العديد من النشاطات التي من شأنها تحقيق هذه الغاية ومن بينها التخطيط والتنظيم والتوظيف والقيادة والتحكم في مجريات الأعمال داخل وخارج المؤسسة لتقليل نسبة الأخطاء بأنواعها. قد يبدو ذلك بسيطاً للوهلة الأولى ولكن قد يعاني المديرين الأمريّن في تحقيق أهدافهم والتي تعتمد بشكل كبير على تجميع الناس أولاً وكل ما بعد ذلك هيّن. فكيف يمكن الحصول على الكفاءات المطلوبة في ظل المصادر والحوافز المادية المحدودة؟ وكيف يمكن تحقيق التجانس بين الموظفين وتوزيع الموظفين المناسبين على الوظائف المناسبة؟ وأكبر من هذا وذاك هو العمل على تحفيز الموظفين وقيادتهم لتحقيق الفاعلية والإنتاجية المنشودة للاستمرارية بقوة في عالم يتصف بالتنافسية في الدرجة الأولى؟

عند التأمل في تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي للتنافسية العالمية الأخير(2011 – 2012)  نجد أن معظم الركائز التي اعتمد عليها التقرير في تحديد تنافسية الدول لا تخلو من علم الإدارة في إحدى جوانبها. ففي ركيزة التعليم العالي والتدريب مثلا تأتي جودة الجهات التعليمية المختصة في علم الإدارة من وسائل القياس. الأمر الذي ساعد بعض الدول في احتلال مراكز متقدمة في مؤشر التنافسية العالمي الأخير. فعلى سبيل المثال تقدمت دولة بلجيكا في التقرير الأخير بمقدار أربعة مراكز عن العام الماضي لتحتل المرتبة 15 عالميًا لعدة أسباب من أهمها تركيزها على التدريب والتعليم الإداري من خلال إنشاء مدارس من الدرجة الأولى في علم الإدارة. لذلك قد يعتبر البعض أن الإدارة علم يمكن دراسته وتحديد نظرياته وتطبيقها حرفياً للحصول على النتائج المرجوة. في حين قد يميل البعض إلى الاعتقاد بأن الإدارة فن ومهارة يصعب وضعها في بوتقة واحدة وإسقاطها على إطار علمي بحت، فلكل حادثة وحالة خصوصيتها وإن تشابهت أعراضها.

بعد تجربتي لإدارة بعض الأعمال والمجموعات في العمل استطيع الجزم بأن الإدارة بشكل عام هو علم له اساسياته وأساليبه لا يمكن أن يطبق إلا بشكل فني. فالفن هنا يأتي مع الإحسان في التعاطي مع مجريات وجوانب العمل والتعمق في فهم ظروف المؤسسة وخصوصيات كل فرد فيها والذي عادةً ما يغفله الكثير من المديرين والمسؤولين. فمن تخصصاتنا المهمة في كلية التجارة هو تخصص الإدارة التي يدرس فيه الطلاب الكثير من أساليب العمل التي يحتاجها المديرون اليوم باختلاف أقسامهم ومستوياتهم لإدارة الموظفين أولاً والأعمال ثانياً. للأسف لا يتم إسقاط هذه المبادئ والأسس على خصوصيتنا الفكرية والثقافية في السلطنة إلا نادراً. فمعظم الكتب هي من الدول الغربية والتي يجتهد فيها الباحثون والكتّاب لشرح نظرياتهم وقواعدهم الإدارية من وجهة نظرهم التي لا تخلو من بعض التأثير الواضح للفكر والطبع الغربي المختلف عن ثقافتنا العربية العمانية.


استطيع اليوم من خلال تجربتي المتواضعة في الإدارة ان أضع بين أيديكم أسلوبا جديدا ومجربا لإدارة الأعمال والموظفين باستخدام ثقافة تناول القهوة والتمر (أو الرطب) المنتشرة بيننا. فما عليك أخي المدير إلا أن تخصص وقتا قصيرا في بداية كل يوم أو أسبوع لتناول (الفوالة) مع موظفيك في العمل بشكل حميم خالٍ من الرسميات. تستطيع من خلال هذه الدقائق البسيطة التقرب إلى الموظفين بتبادل الفكاهات ومعايشة الأعمال بشكل ودود والتعرف على احتياجات الأعمال عن قرب والتخطيط لأعمال ذلك اليوم أو الأسبوع بما يضمن لك انسجاما بين الموظفين وولاء أكبر للعمل. ليس ذلك فحسب فإن استطعت أن تنظم رحلات ترفيهية جماعية شهرية أو فصلية فافعل وتجنب الأوامر والتصرفات الرسمية وأكثر من عبارات المديح في وقتها ولا تيأس مهما طال الوقت واعط الآخرين ثقتك لتحوز على ثقتهم.

لا يعتبر هذا الأسلوب بجديد، فعلم الإدارة يعطينا قواعد إدارة المؤسسات بشكل غير رسمي (Informal Organization) ولكن كيف يمكن إسقاط ذلك على موروثنا الثقافي التقليدي؟ فمعظم المصادر الإدارية الغربية تعطينا اساليب تطبيقية لمثل هذا النمط الإداري كسياسة الأبواب المفتوحة وتبني فكرة مكاتب المقصورات (Cubicles) والتي تطبقها بعض المؤسسات معنا في السلطنة. كما قد تطبق بعض الجهات الأمنية والعسكرية ما يسمى بموجز الصباح (Morning Brief) والتي يجتمع فيها يوميًا القائد في بداية كل صباح بكبار الموظفين أو الضباط لمناقشة ما كان وما سوف يكون. كل ذلك مما قد تعطينا إياه التجربة الغربية في هذا المجال ولكننا نستطيع إضافة ما ينسجم مع ثقافتنا العمانية الأصيلة والذي سيكون له التأثير الأكبر والأنجح. قد يستغرب البعض أن في الوقت الذي يحاول فيه الكثير من المديرين تقليل أو إلغاء ظاهرة (الفوالة) بين الموظفين أثناء ساعات العمل، أرى شخصياً أن هذه الظاهرة من أكثر الوسائل الناجحة والناجعة في تحقيق إدارة سليمة وتحفيز جوهري حقيقي بين الموظفين إن أحسنّا استغلالها. فسياسة التعالي على الموظفين وامتهان أسلوب الأبواب المغلقة أو الأمر والتهديد لم يعد مجدياً اليوم، حتى مبدأ التحفيز المادي فقد أثبت نجاحه النسبي فقط في المدى القصير. لذلك يسعى المديرون بشكل خاص والشركات بشكل عام إلى إيجاد بيئة عمل حميمة للموظفين بحيث يستمتع الموظفون بحضورهم إلى العمل أكثر من استمتاعهم بالإجازة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق