استضاف مركز السلطان قابوس للثقافة الإسلامية الأسبوع الماضي الداعية
الأمريكي الشيخ خالد ياسين لإلقاء عدة محاضرات دعوية في مسقط كان من بينها محاضرة
بعنوان الإسلام والتحديات المعاصرة. تطرق فيها الداعية إلى أمور وقضايا معاصرة لا
يكاد يحرك لها أحد ساكنا لتوضيح أسبابها الحقيقية رغم ما تسببه من قلق للعالم
أجمع. من هذه القضايا طبعا هو الوضع المأساوي لاقتصاديات العديد من دول العالم
المتقدمة التي أصبحت مجمل مديونياتها تقاس بالمليارات والتريليونات في معظم
الأحوال. لا نتكلم هنا عن
اليونان وإيطاليا وأسبانيا فقط بل حتى الدول المتقدمة الأخرى كالولايات المتحدة
الأمريكية والتي تدين للصين بأكثر من 80% من مجمل مديونيتها التي تقدر
بالتريليونات. أضف إلى ذلك قضية الاحتباس الحراري رغم الجدل الكبير المثار حول
مصداقية المعلومات المثارة حولها بالإضافة إلى قضية مرض الإيدز وكيف أن معظم
الباحثين يجمعون اليوم بأن فيروس هذا المرض لم ينشأ صدفةً بل الاحتماليات تشير إلى
أنه قد تم تصنيعه مختبريا ثم تسرب للعالم بالخطأ (بغض النظر عن سبب التصنيع). ليس
ذلك فحسب بل إن البحوث الحالية المعروفة باسم بحوث الخلايا الجذعية الجنينية والتي
تقوم (حسب ما يقول الداعية) على استخدام الأجنة الميتة في تصنيع العديد من
مستحضرات التجميل للنساء اليوم تثير العديد من القضايا الصحية والأخلاقية. حيث يرى
فيها الداعي رابطًا غير مباشر مع ازدياد عدد عمليات الإجهاض والتسهيلات المروجة
لهذه العمليات. لذلك قد لا تعلم معظم نساء العالم اليوم أن ما يضعن من تبرج على
وجوههن قد يكون جنين (طفل) ميت والله المستعان.
كل ذلك والعديد من القضايا التي أراد الداعية أن يثيرها للإشارة الى أن
ديننا الحنيف يمكن له أن يقدم اقتراحًا للعالم يضع من خلاله الحلول الناجعة لجميع
السلبيات التي خلفتها لنا معظم الأنظمة الإقتصادية في العالم وعلى رأسها النظام
الرأسمالي. فالسبب يرجع أولاً وأخيراً إلى استكلاب المؤسسات والأفراد نحو تحصيل
الفائدة المادية بشتى الطرق متناسين الجانب الإنساني والبيئي في القضية. الأمر
الذي أورث لنا تركة من القضايا الحياتية الشائكة التي تهدد بتحويل العالم بعد ما
يقارب من سبعين عامًا إلى عصر جديد أشبه بالعصر الجليدي. لا يعتبر هذا الهجوم على
النظام الرأسمالي بجديد فقد ناضل نائب الرئيس الأمريكي الأسبق أل جور لسنوات طويلة
في تحذير العالم حول موضوع الاحتباس الحراري من خلال العديد من الخطب والمقالات
والمرئيات كان من أشهرها الفيلم الوثائقي الصادر عام 2006 باسم حقيقة مزعجة (An Inconvenient Truth) والتي قدّم فيه
تحذيرًا وتوعية بمخاطر التلوث الصناعي بأنواعه استحق من خلاله الحصول على عدة
جوائز عالمية. ومؤخراً كذلك قام رجل الأعمال الإنجليزي الشهير ريتشارد برانسون (Richard Branson) صاحب مجموعة فيرجن
العالمية (Virgin) المكونة من أكثر من 400 شركة
حول العالم بإصدار كتاباً جديدًا بعنوان (Screw
Business as Usual) والذي أكّد فيه بالأمثلة والأدلة على
ضرورة تحلي المؤسسات التجارية في النظام الرأسمالي بالمسؤولية الإجتماعية الأمر
الذي (حسب رأي الكاتب) قد تم إهماله من قبل الكثير من الأثرياء ورجال الأعمال. كما
يؤكد الكاتب أيضاً على أهمية أعمال الخير الاجتماعية والبيئية كقوى دافعة للنظام
الرأسمالي الحالي بحيث يصبح جل اهتمام المؤسسات التجارية هو خدمة المجتمعات والرقي
بها وتوفير المناخ السليم والعيش الكريم للناس أجمع أولاً وتحقيق الربحية ثانياً
والتي ستأتي تباعاً. لا يكتفي الكاتب بالوعض في هذا الشأن بل يسرد لنا العديد من الأمثلة
الحية من بعض المؤسسات العالمية التي تبنت فكرة المسؤولية الاجتماعية وكان لها
الأثر على تحسين إيراداتها كشركة ماركس أند سبنسر (Marks and
Spencer) والتي استطاعت من خلال مشروعها (Plan A) عام 2007 في إعادة تدوير 94% من
مخلفاتها الورقية الأمر الذي جعلها توفر أكثر من 71 مليون جنيه استرليني بحلول عام
2010. كما قامت شركة جنرال موتورز خلال خمس سنوات باستثمار ما يقارب من 5 مليارات
دولار في بحوث الإبداع البيئي (Ecomagination) لإنتاج منتجات وخدمات تقلل من
استنزاف المياه والطاقة محققة في ذلك إيرادات تقرب من 70 مليار دولار.
الشاهد هنا أخواني القرّاء هو أن العالم اليوم يتسارع بخطى مجنونة تهدف
في مجملها إلى الربحية بغض النظر عن الوسيلة الأمر الذي أفرز لنا اليوم الكثير من
الجشع والفساد المالي العالمي المترسخ بشكل يصعب إقتلاعه. ليس ذلك فحسب فقد أصبح
جل اهتماماتنا اليوم كافراد هو نمط الحياة التي نعيش وقضايانا الخاصة بنا والتي
تسببت بشكل طبيعي في إهمالنا وتناسينا بشكل عام لقضايانا المحلية ناهيك عن قضايا
الأمة والعالم أجمع. لم يعد الأمر كخيار لمعظمنا فالمهنية والشغف المبالغ للترقي
في العمل لم يعط أحدنا الوقت لعمل بعض الواجبات الأسرية كتربية الأبناء مثلا فكيف
لنا اليوم أن نتحرك من أجل قضية عالمية لا نرى منها إلا بصيص تأثيراتها والتي
يتوقع المحللون أن تتفاقم بعد عشرات السنين، الأمر أن يهون المسألة علينا كونها
ستكون مشكلة من سيأتي بعدنا، فنحن اليوم وما بعدنا الطوفان!
المسؤلية الاجتماعية هو ما أثار اهتمامي في المقال. إن ما يميز الشركات الناجحه هو مشاركتها في خدمة المجتمع و تحلي المؤسسات بهذه المسؤلية هو ضرورة لابد منها. إن أقل ما يمكن أن تساهم به الشركات في خدمة المجتمع هو بيان صدقها ووعيها و مشاركتهابما تمر به البشرية من أوضاع حرجة.
ردحذف