الاثنين، ديسمبر 19، 2011

فرص تطوير الحوسبة السحابية في السلطنة


قامت المؤسسة العامة للمناطق الصناعية يوم الأربعاء الماضي ممثلة في واحة المعرفة مسقط بتنظيم ندوة الحوسبة السحابية والتي كان لي شرف المشاركة فيها كأحد المتحدثين الرئيسيين. هدفت هذه الندوة الى تسليط الضوء على تقنية حوسبة السحاب أو (الحوسبة السحابية) وكيفية استغلالها في السلطنة. سبق وأن تطرقنا لهذه التقنية في عدة مقالات سابقة من أمثال مقالة «مستقبل التجارة في السحاب» ومقالة «حوسبة السحاب ما لها وما عليها» واللتان ناقشنا فيهما الأطر العامة للتقنية دون اسقاطها بشكل تفصيلي على خصوصيتنا في السلطنة. سنحاول في هذه المقالة مناقشة أهم العناصر الواجب علينا مراعاتها في السلطنة قبل البدء في تطوير واستخدام هذه التقنية كما تمت مناقشتها في الندوة المشار اليها أعلاه.

بداية يجب علينا معرفة أن هذه التقنية لا تعتبر وليدة اللحظة وأننا لمسنا بدايتها مع تسعينات القرن الماضي حين دخلت الانترنت الى أرض السلطنة الحبيبة وبدأنا في استخدام البريد الالكتروني كأمثال هوتميل (Hotmail) والياهو (Yahoo) واللذين يعتبران اليوم من تطبيقات حوسبة السحاب. لم يتفق الخبراء على تعريف محدد لهذه التقنية بشكل مفصل حتى عام 2010 حين قام المعهد الأمريكي للمعايير والتقنية (NIST) باصدار أول تعريف دقيق لهذه التقنية لتحديد ملامحها وأبعادها بعد أن كثرت الخدمات المقدمة في الانترنت تحت الاسم نفس. يعرّف المعهد تقنية حوسبة السحاب بأنها نموذج عملي يوفر حزمة من المصادر الحوسبية للمستخدمين عند الطلب بشكل مريح وغير محدود بمكان. كما تقدم التقنية للمستخدمين الخيار بزيادة قدرات هذه الحزمة الحوسبية المشتركة بشكل سريع وبدون أدنى جهد أو حاجة لتدخل المؤسسة الموفرة للحزمة. وأشار التقرير الأمريكي الى احتواء تقنية حوسبة السحاب على خمس صفات رئيسية، وثلاثة نماذج للخدمة وأربعة نماذج للتطبيق والتوزيع.

باختصار وبتعريف مبسط لما سبق، مفهوم الحوسبة في مصطلح الحوسبة السحابية هي وصف لاستخدامات الحاسوب والتي نستطيع أن نختصرها في ثلاثة استخدامات وهي التخزين (Storage) والمعالجة (Processing) والاتصال  (Connectivity).لذلك فالأجهزة التي تستطيع عمل هذه الأعمال تسمى أيضاَ بأجهزة الحوسبة (Computing Devices) ومن هنا نستطيع تفسير تقنيات أخرى تحمل الصفة نفسها من أمثال الحوسبة المحمولة (Mobile Computing) والحوسبة اللاسلكية (Wireless Computing) وحوسبة الشبكة (Grid Computing) وغيرها. أما صفة السحاب في التقنية فهي الانترنت أو بالتحديد مراكز البيانات (Datacenter) والتي تعد من أهم مكونات البنية الأساسية لهذه التقنية. تجدر الاشارة الى أن السلطنة كانت سباقة في توفير هذا الجزء (السحاب) من المعادلة والذي يعد من مشاريع الحكومة الالكترونية التي أشرفت على انشائها هيئة تقنية المعلومات تحت مسمى مركز البيانات الوطني والتي قامت العديد من الجهات الحكومية والشركات التجارية باستخدامه في تخزين بعض بياناتها الخاصة.





تتصف هذه التقنية حالها حال بقية التقنيات بالكثير من الفوائد بالاضافة ايضا الى وجود بعض السلبيات أو القضايا الواجب مراعاتها عند التطبيق والتطوير. ناقشت الندوة هذه القضايا أجمع وحاولت اسقاط الجانب النظري والعملي من خلال خبرات الدول المتقدمة على واقعنا في السلطنة. من هذه القضايا هي موضوع أمن المعلومات وفقدان التحكم في البيانات (Data Lock In). فمثلا هناك القانون الأمريكي الصادر عام 2001 باسم قانون الوطنية (Patriot Act) والذي يعطي الولايات المتحدة الأمريكية الحق في عمل كل ما من شأنه الحفاظ على أمن واستقرار البلد حتى وان تطلب الأمر مراقبة البيانات الالكترونية (بطبيعة الحال). لذلك فإن كان مبدأ سرية المعلومات من أهم متطلبات الجهات المستخدمة لتقنية حوسبة السحاب فربما الأفضل استخدام تقنية الحوسبة السحابية في دول أخرى أو العمل على احتضانها وتطويرها محلياً. أضف الى ذلك أن من أهم أسباب استخدام هذه التقنية هو توفير الجهد والمال باستئجار الحوسبة بدلاً من شرائها فهل هذا يعني التخلي عن الأنظمة الالكترونية الحالية والموظفيين التقنيين داخل المؤسسات؟ ام العمل على استحداث خطة لتطوير الوضع الحالي بشكل يتكامل مع تقنية حوسبة السحاب مما سيتطلب توظيف فنيين جدد على دراية بادارة التقنية الجديدة؟ أضف الى ذلك أن من أهم أسباب توظيف هذه التقنية هو تقليل ما يسمى بـ(Over Provisioning) و (Under Provisioning) عند تحديد المتطلبات التقنية للمؤسسات باختلاف دوائرها وأقسامها. مما يعني أن أكثر الشركات المستهدفة من هذه التقنية هي تلك التي تشهد تطورات مفاجئة في حاجاتها الفنية بين الحين والآخر والتي يصعب التنبؤ بها. فإن كان الأمر كذلك، فما نسبة هذا المؤسسات من اجمالي المؤسسات العاملة في السلطنة؟

لذلك أرى أن تقنية حوسبة السحاب تحتاج الى الكثير من المتطلبات الفنية التي لا يختلف عليها الخبراء في العالم اليوم ولكننا نحتاج في السلطنة الى دراسة وطنية جديدة تقوم على أساس تعاون مشترك بين بعض الجهات الحكومية في السلطنة كهيئة تنظيم الاتصالات وهيئة تقنية المعلومات وواحة المعرفة مسقط ووزارة التجارة والصناعة وربما بعض الجهات الأمنية بالاضافة الى جامعة السلطان قابوس والدوائر البحثية وبعض الجهات التجارية ذات الشأن كشركات الاتصالات وغيرها ممن الشركات التي ستهدف لتكون الموفرة لخدمة حوسبة السحاب. يجب أن تهدف هذه الدراسة لمحاولة توضيح جدوى تطبيق هذه التقنية في السلطنة على جميع شرائح العمل كالشركات الكبيرة والشركات المتوسطة والصغيرة والشركات الناشئة (Start-ups) والجهات الحكومية والأفراد. بالاضافة أيضا وبشكل مهم جدا الى تحديد عوائق التطبيق والانتشار وعلى رأسها العوامل غير الفنية والتي تعتبر الأكثر تعقيدا.
 

هناك تعليقان (2):