قام برنامج حوار الشباب الأسبوع الماضي والذي يعرض على شاشة القناة
الأولى للتلفزيون العماني بمناقشة موضوع الحكومة الإلكترونية في السلطنة ومدى تطبيقها
بين الواقع والطموح. كان لي شرف المشاركة كأحد الضيوف الرئيسيين حيث استمعنا الى
آراء الشباب حول هذا الموضوع المهم والذي يعكس نسبيا مستوى نجاح الخطوات التي قامت
بها السلطنة في هذا المجال. لذلك أردت اليوم في هذه المقالة أن أؤصل لأمور مهمة
يجب علينا جميعا معرفتها وفهمها لنستطيع النهوض بهذا المشروع ومشاريع أخرى مشابهة
دون تخبط أو تأخير كما قد يحصل في بعض الأحيان وكما قد يظن معظم الناس. تجدر
الإشارة ايضا الى أنه قد تم التطرق لموضوع الحكومة الإلكترونية سابقا من خلال هذا
المنبر الأسبوعي في عدة مقالات على هيئة دروس متسلسلة تبين أهم القضايا التي قد
تواجه معظم مشاريع الحكومة الإلكترونية في العالم. يمكنكم الرجوع لهذه الدروس
الموجودة على المدونة الإلكترونية الخاصة بي والتي بدأنا بنشرها من شهر أكتوبر
لعام ٢٠٠٩م.
من أهم ما يجب التنويه له في البداية هو تعريف الحكومة الإلكترونية والذي قد يختلف بين دولة وأخرى وكذلك قد يختلف بين ما هو معلن وما هو ملموس في الواقع. فعند التأمل في اهم البحوث العلمية في هذا المجال اليوم وفي تطبيقات مختلف الدول نجد تباينا في مفهوم الحكومة الإلكترونية، فهناك من ينظر للمشروع من زاوية توظيف التقنية بغض النظر عن فاعليتها كما هو الحال في معظم الدول الإفريقية الفقيرة، فوجود حاسوب واحد في أي مؤسسة حكومية هناك هو بالنسبة لهم حكومة إلكترونية. وهناك من يجد في الحكومة الإلكترونية مشروعا لتحسين الإجراءات وتحقيق المساواة والمحاسبة والشفافية في العمل بغض النظر عن التقنية المستخدمة والتي قد تكون وسيلة لبلوغ هذه الأهداف. أضف الى ذلك انه يمكن الجزم اليوم بأن معظم الدول في العالم لا تسعى لتحقيق التعريف الأشمل للحكومة الإلكترونية والذي يشمل مختلف جوانب العمل الحكومي بما فيه حوكمة الأعمال والقرارات في مختلف أشكال المشروع التي تشمل تعامل الحكومة مع المواطنين والوافدين والجهات التجارية وفيما بين المؤسسات الحكومية نفسها وفيما بين موظفي كل جهة حكومية بمختلف مستوياتهم، وايضا فيما بين الحكومات المختلفة في اقليم واحد او حتى عالميا. لذلك فهناك اسباب وفوائد مرتجاة من هذا المشروع تختلف من دولة لآخرى بحسب نظام الحكم والمستوى الإقتصادي للدولة واستراتيجيتها العامة. الأمر الذي يتسبب في اختلاف مستوى دعم الحكومات المادي والمعنوي لمختلف مراحل مشروع الحكومة الإلكترونية. لذلك في السلطنة نجد أن فكرة المشروع لا تتعدى في الوقت الراهن هدف أتمتة الخدمات الحكومية وتشجيع مختلف شرائح المجتمع على الانخراط في هذا المشروع بما يشمل تأهيل الكوادر وردم الفجوة الرقمية في البلاد وبناء مجتمع رقمي.
تأتي بعد ذلك البنية التحتية لقطاع الإتصالات في السلطنة والذي نجد
أكثر الشباب مازالوا يشتكون من بطء شبكة الإنترنت خصوصا في المناطق البعيدة والقرى
النائية، مما يشير الى أن البنية التحتية لا تزال في طور التطوير. لذلك على الجهات الحكومية المعنية دعم جهود شركات الإتصالات وحثهم على
توصيل خدمات الإنترنت المحمول ذو النطاق الواسع
(Broadband) الى مختلف المناطق في السلطنة بمختلف قراها وإن لم تتبين جدواها
الإقتصادية في الوقت الراهن. الأمر الذي يأخذنا الى موضوع آخر وهو البعد
الإستراتيجي لمشروع الحكومة الإلكترونية. فجدوى هذا المشروع لا تقتصر على الفوائد
المرجوة خلال السنوات القليلة القادمة ولكن يتعداه لسنين طويلة قادمة. فما قد يكون
غير ذي جدوى اقتصادية اليوم أو خلال السنوات الخمس القادمة، هو بكل تأكيد سيكون ذا
فائدة في الأمد البعيد عند ازدياد الوعي بالخدمات الإلكترونية وزيادة عدد السكان
وحاجاتهم من قطاع الإتصالات الذي تعتمد عليه ايضا بقية القطاعات الحيوية في
البلاد. أضف الى ذلك أن السلطنة مقبلة على طفرة في الاستثمارات الإقتصادية والتي
لا تقتصر على العاصمة مسقط بل تتعداها الى مناطق قد تعتبر نائية اليوم كالدقم مثلا
ومناطق الجذب السياحي كجبال محافظة مسندم وجبال محافظتي الشرقية وسواحل محافظتي
الباطنة والتي يجب ان تؤهل من الآن لجذب مزيد من الاستثمارات الإقليمية والعالمية.
اخيرا وليس آخرا هو ضرورة تقييم الإستراتيجية الرقمية الحالية واستراتيجية الدولة ٢٠٢٠ والتي لا يعلم معظمنا نسبة ما تم تحقيقه فيها. فالواقع يشير الى اننا لا زلنا نعتمد على التخطيط قصير الأمد على شكل خطط خمسية اثبتت جدواها في بداية عصر النهضة. لكننا اليوم في حاجة ماسة الى رسم رؤية بعيدة الامد على شكل مشاريع واهداف واضحة وقابلة للقياس والتقييم في جوانب محددة فقط. فالتركيز هو سر النجاح وعلينا أن نركز جهودنا في الحقبة القادمة على أهم قطاعاتنا الإقتصادية ذات المردود الأفضل مما يضمن لنا استدامة في الأعمال. فالاستراتيجية الواضحة ستجعل كل فرد على هذه الأرض الطيبة يعلم ما عليه فعله من أجل المساهمة في تحقيق الرؤية العامة. كما سيعلم المسؤولين وأصحاب القرار في الحكومة عند توليهم مختلف المناصب في الحكومة ما عليهم عمله أيضا بحيث يبدأون من حيث انتهى غيرهم. وليس كما هو الحال اليوم في معظم الدوائر الحكومية، يأتي المسؤول بأفكار وخطط تخالف المسؤول السابق مما يؤدي الى الغاء الكثير من الأعمال السابقة بما يترتب على ذلك من اهدار للوقت والطاقات والأموال والمصادر المتنوعة.