يهدف علم الاقتصاد اجمالاً الى تحليل عمليات
الانتاج والتوزيع والاستهلاك لمختلف المنتوجات والخدمات بالتركيز على احدى الدول
أو مجموعة من الدول أو بشكل خاص على احدى المؤسسات. في الوقت ذاته يندر التركيز في
تحليل الجوانب الاقتصادية على الأفراد والعائلات والتي أفرد لها الباحثون مؤخراً
علماً خاصا يسمى باقتصاد العائلة (Family
Economics). يهدف هذا
العلم الى اسقاط مفهوم وأدوات الاقتصاد على شؤون العائلة باختلاف مستوياتها
ومجتمعاتها. ولذلك فاذا أردنا تحليل العائلة العمانية بشكل مبسط نجدها بدايةً
تتكون (في أغلب الأحيان) من والدين وأبناء وأقارب ومعارف وجيران والذين عادةً ما
يؤثرون في قرارات كل فرد فيها بشكل مباشر وغير مباشر. الأمر الذي أورث لنا قناعات
بين أفراد المجتمع يصعب اقتلاعها حتى مع تطور المستوى التعليمي للأفراد احياناً.
فالوالدان وبقية فئات المجتمع وأفراد العائلة عادة ما يفرضون على الناشئة العديد
من الأمور الثقافية والعقدية كجوانب التربية والدين والأخلاق ناهيك طبعاً عن بعض
أنواع التدخل الايجابي أو السلبي في تحديد مسار حياة الأطفال وتغيير أفكارهم وصقل
شخصياتهم. فان أردنا أن نسقط مفهوم الاقتصاد على معظم العائلات العمانية اليوم
لرأينا الكثير من القضايا التي اعتادها الأفراد حتى أصبحت واجباً لا يستطيع أحدنا
التخلي عنها الا من أوتي نفساً وعزيمة قوية في مجابهة انتقادات المجتمع. تؤثر هذه
القضايا على مجمل العائلات العمانية بشكل ينهك كاهل أربابها وتتسبب في العديد من
المشاكل الاجتماعية والمالية ناهيك طبعاً عن تأثيراتها الاقتصادية على مختلف
المؤسسات أو الدولة ككل والتي هي في الأساس مكونة من هؤلاء الأفراد. فالشاهد هنا
أن قناعاتنا هي من اكثر ما يحدد نجاح اقتصادياتنا وفشلها.
دعونا نحلل بعض القضايا المعاصرة الناتجة من قناعات متفشية في المجتمع العماني يصعب تغييرها. فقبل ارتباط الزوجين لتكوين العائلة تبدأ هموم الحياة تنهمر عليهم تباعاً بداية باختيار الطرف الآخر فهناك من يشترط العمل وهناك من يشترط التعليم وغيرها من الشروط (قناعات) التي قد تبدو طبيعية مع الزمن. فان وقع الاختيار والتوافق بين الطرفين فسيبدأ الرجل في توفير أو (غالبا) استقراض المصروفات المادية لحفل الزواج وشهر العسل وتوفير المسكن المناسب المبالغ فيه (قناعات). لا ننسى عاملة المنزل التي بدأنا نرى العديد من الأسر تضعها من عناصر (الحق) العماني الذي شهد مؤخراً هو الآخر تضخما بسبب ارتفاع اسعار الذهب وربما النفط كذلك. ولا ننسى كذلك سيارة العريس وربما العروس ايضاً التي غالبا ما تكون بالأقساط وربما لجأ الاثنان الى شراء أو بناء مسكن العائلة بالأقساط كذلك. كل ذلك مما يسهم في اخراج حفل زواج مبهر لا ينساه الحضور يتألق فيه زوجان غارقان في الديون (الا من رحم ربي). وما هي الا سنوات معدودة لا يكاد فيها الزوجان أن يتعافيا من القروض والديون الا وتتضاعف المسؤوليات والقضايا الشائكة عليهم عندما يرزقان ببعض الأطفال الذين سيحتاجون بطبيعة الحال لمزيد من المستلزمات المادية وبعد ذلك الى المصاريف الدراسية التي تشهد تضخما هي الأخرى حالها حال أي شيء آخر. فقد أظهرت دراسة قامت بها مجلة (Forbes) الامريكية ان مصاريف التعليم عالميا في تزايد مستمر. فقبل عقد من الزمان كان متوسط مخصصات تعليم الابناء المادية عند العائلة الأمريكية يشكل ما نسبته 18% من مدخول العائلة سنوياً، اما اليوم فقد ارتفعت هذه النسبة لتشكل 25% من المدخول السنوي للعائلة، الأمر الذي أجبر الوالدين في معظم الأحيان للاستقراض. أما في السلطنة فالوضع مشابه خصوصا عند تلك الأسر التي آثرت خيار التعليم الخاص على التعليم العام بغض النظر عن الأسباب. فمصاريف المدارس الخاصة تزداد عاماً بعد عام وخيار التعليم الحكومي أصبح للكثيرين حيلة من لا حيلة له، ناهيك طبعاً عن التعليم الجامعي الذي أصبح حلماً عند الناشئة وهماً يراود الآباء والأمهات يوما بعد يوم.
القضايا كثيرة أخواني القرّاء
والتي ان تتبعنا أسبابها وحدتها فهي في الأصل تعود لقناعاتنا التي تفرض علينا أن
نماشي الوسط الذي نعيش فيه. فحفل زفافي يجب أن يكون أفضل من حفل زفاف أخي أو أختي
ومهر ابنتي يجب أن لا يقل عن مهر بنات عمها وبيتي يجب أن يكون طابقين أو ثلاثة
حاله حال بيوت العائلة وأولادي يجب أن أدخلهم مدرسة خاصة وسيارتي لا يمكن أن تكون
أقل من سيارات أصدقائي أو أقاربي. ناهيك طبعا عن موضوع الاجازة الصيفية وكيف
نقضيها؟ والأعياد الدينية (العيدين) ومصاريفهما والمناسبات الاجتماعية كأعياد
الميلاد والحول حول وعيد الزواج وعيد عقد القران وربما قريباً عيد الحق (المهر). كل
ذلك مما يشكل فرحةً وغماً في آن واحد بسبب كثرة المصاريف التي تهدر حتى لا نكون
أقل من غيرنا. الأمر الذي أفرز لنا العديد من الأزواج والأفراد أسيروا العمل
المضني لتحصيل لقمة العيش وتسديد المستلزمات المادية. فلا وقت لتربية الأبناء
والعهدة متروكة للمدرسة الخاصة التي ندفع فيها مئات أو آلاف الريالات ولا وقت
لزيارة الأقارب والأرحام ولا وقت للرياضة ولا حتى للمسجد وهو الأهم (الا من رحم
ربي). فأصبحت هذه القناعات والمتطلبات المبالغ فيها من أسباب تفشي العديد من
القضايا الاجتماعية كالطلاق وفشل الأبناء في الدراسة وآخرها وبدون سابق انذار
تزايد عدد المدمنين وظهور حالات موت الفجاءة والتي أبلغنا رسولنا الكريم عليه وعلى
آله أفضل الصلاة والسلام أنها من علامات الساعة.
لا ينتهي تأثير مثل هذه القناعات على الأفراد
فقط فإياك أعني واسمعي يا جارة، بل قد يتعداه الى المؤسسات والدول. ففكر التباهي
ومماشاة العصر والوضع الراهن نجده حاضراً أيضاً لدى العديد من المؤسسات والدول حول
العالم والشواهد كثيرة.
صدقت يا أستاذي.. والحق يقال.
ردحذففقد صارت المباهاة والمغالاة كاهلا على اكتاف ارباب الاسرةوهذا راجع الى غياب التخطيط الاقتصادي في الاسرة.
مقال رائع ،، أتفق مغك بأن القناعات هي أساس التخطيط الاقتصادي و أنها هي سبب وقوع الافراد في الديون!
ردحذفمدونه رائعه
ردحذفشكرا لكم