الاثنين، يناير 09، 2012

الدروس المستفادة من انهيار كوداك


لطالما تحدثنا سابقاً عن واجب المؤسسات باختلاف نشاطاتها في تلمس التغييرات النمطية من حولها في العمل والذوق العام حتى لا تنتهي دون سابق إنذار. فيوماً بعد يوم تؤكد لنا الأحداث في عالم الأعمال والتقنية أن الاستمرارية والديمومة هي من أهم وأصعب أهداف المؤسسات. فمن يستطيع أن يصدق أن شركة كوداك التي تعتبر من أوائل شركات التصوير في العالم والتي أصدرت أكثر من ألف براءة اختراع في قطاع التصوير وخدماته المختلفة، تعتزم اليوم إشهار إفلاسها؟ وها هي على وشك الإنهيار على شاكلة حادثة انتحار مؤسسها رجل الأعمال الأمريكي جورج إيستمان الذي إنتحر عام 1932م مخلفاً وراءه ملاحظة مكتوب عليها «إلى أصدقائي، عملي قد تم، فلماذا الإنتظار؟». فبعدما قدمت الشركة لنا من الإنجازات والاختراعات ما قدمت، فهل نحن على وشك أن نشهد نفس السيناريو؟ فلا تزال شركة كوداك من أكثر الأسماء التي نتذكرها بقوة قبل وبعد بداية التصوير الرقمي ناهيك طبعا عن تقنيات التحميض وأفلام التصوير التقليدية. حتى عند ذهابنا اليوم إلى محلات التصوير القليلة المنتشرة هنا وهناك سنجد العديد من ملصقات هذه الشركة ومنتجاتها التي لا تزال مستخدمة إلى الآن، فما هي الأسباب وراء هذه الانتكاسة المفاجأة حتى على موظفي الشركة الأعلم بأوضاعها وماذا نستطيع أن نستفيد من هذه التجربة التي امتدت لأكثر من قرن من الزمان؟

عند التأمل في تاريخ هذه الشركة التي أنشأها الأمريكي جورج إيستمان في عام 1880م نجد أن أسلوب مواجهتها للصعوبات التي تواجهها هي من أهم أسباب تدهورها. فمنذ أيامها الأولى نجد بطئا في التعامل مع التغييرات ومكابرة غير مبررة. الأمر الذي يؤكد عليه علماء الإدارة اليوم وهو أهمية المرونة في النظر للأمور وعدم التقليل من شأن الأفكار الجديدة والشركات الناشئة. نجد هذا واضحاً في طريقة تعاملها مع شركة فوجي اليابانية عند دخولها إلى الأسواق الأمريكية في منتصف القرن الماضي. فالواضح من الأحداث أن شركة كوداك لم تكترث لهذا الدخول ظناً منها أن المستهلكين الأمريكيين لن يرضوا عن علامتها التجارية الأكثر شيوعاً آن ذاك بديلاً (مكابرة). ليس ذلك فحسب، فلم تكلف الشركة نفسها في دراسة الحملة التسويقية القوية للشركة القادمة والتي ركّزت على الأسعار بشكل كبير. لم تلبث هذه المكابرة إلا أن أدت إلى فوز شركة فوجي بعقد الفيلم الرسمي لأولمبياد عام 1984 في لوس أنجلوس، والذي جعل شركة كوداك تخسر حصصها السوقية شيئاً فشيئاً.


الأمر الآخر الذي أطاح بالجمل (كوداك) هو العصر الرقمي لتقنيات التصوير وسرعة تطوره الذي فاقت سرعة استجابة شركة كوداك للتغييرات بالرغم من كون شركة كوداك هي أول من اخترع أول كاميرا رقمية. فالعصر الرقمي لقطاع التصوير ألغى بشكل كبير أهم منتجات الشركة وهو قطاع الأفلام التقليدية وعملية التحميض. فانتشار أجهزة التصوير وأجهزة الطباعة الرقمية قلل من إقبال الناس إجمالا على هذا النوع من الأعمال. ولم تستطع الشركة تطوير استراتيجية ناجحة في دخول هذا العصر الجديد بشكل منافس واقتصرت مشاريعها على خدمات رقمية غير مركزة. فتأخرها في إنتاج أجهزة تصوير رقمية منافسة أعطى الشركات الأخرى الأفضلية عند دخول هذا السوق وتحقيق الأسبقية في الاستحواذ على ولاء الزبائن. ليس ذلك فحسب، فكثرة نشاطاتها ومنتجاتها المختلفة والمتباينة بين القديم والحديث (الرقمي) في هذا المجال بالإضافة إلى محاولتها دخول أسواق جديدة (كقطاع الخدمات الطبية والمستحضرات الصيدلانية) أرهق كاهل إدارة الشركة وشتت تركيزهم مما ساهم في تأخر وتقليل فاعلية عمليات التغيير.

نستطيع اخواني القرّاء اليوم استخلاص بعض الدروس والعبر من تجربة شركة كوداك في محاولتها للمنافسة والإستمرارية في قطاع التصوير لمدة ليست بالهينة (أكثر من مائة وثلاثين عاما). أولاً علينا أن نعلم كما تحدثنا مرارا وتكرارا أن التركيز هو سر النجاح. لذلك على المؤسسات التركيز في ما تستطيع أن تبدع فيه وتتقنه بدلا من محاولة الدخول في قطاعات أخرى تفتقر فيها لحسن التقدير. ثانياً المرونة والفعالية، فمجاراة ما حولنا شيء ومحاولة استباق الأحداث وأخذ الريادة شيء آخر. فالتغيير ضرورة وليس خياراً فإن علمنا ذلك فعلينا أن نقيّم ما لدينا وما يحدث حولنا وأين نريد أن نذهب وعمل الخطط اللازمة للوصول. ثالثاً علينا أن نعلم أن الإختراع شي والإنجاز شيء آخر، فبالرغم من العدد الكبير من براءات الاختراع لدى الشركة والتي تدل على شغفها لإبداع الجديد لم نر إنجازات عملية (منتجات) تنافس في السوق خصوصاً عند اعتماد المنافسين على اقتباس اختراعات الشركة وتقديمها بشكل أرخص وأسهل. رابعاً ضرورة التنبه للفجوة الفكرية بين القديم والحديث، وهذا نستنتجه من الفكر الإداري والقيادي للشركة والتي لم تستطع فيه مجاراة الأنماط الحديثة المتسارعة التي تشهدها التقنية اليوم بشكل عام وتقنيات التصوير بشكل خاص. فأين الشركة من تقنية الويب الثاني والشبكات الاجتماعية وأين هي من تقنيات التصوير الرقمي في الهواتف المحمولة والتي تعتبر من أكثر القطاعات نمواً اليوم وقس على ذلك. وأخيرا وليس آخراً هناك يبدو قانون تجاري على غرار المثل القائل «ما طار طير وارتفع إلا كما طار وقع». فهذا إنذار لجميع الشركات العاملة في القطاعات الديناميكية (المتغيرة باستمرار) التي قد يصعب التنبؤ بانتكاسها اليوم كشركة ابل ومايكروسوفت وفيسبوك وغيرها بإن الإستدامة قد تكون من الاستحالة بمكان وكل ما يمكن عمله هو تأخير وقت الانتكاسة. فإن استطاعت شركة كوداك المقاومة والبقاء لأكثر من قرن من الزمان فكم ستستمر بقية الشركات؟

هناك تعليق واحد:

  1. إذا كانت كوداك صاحبة التاريخ الطويل لم تستطع مجاراة تحديات القرن الواحد و العشرين فهذا دليل على سرعة التطور الذي نشهده في هذا العصر، و كما ذكرت بأن التغيير ضرورة و ليس خيارا لكل بيئة تجارية

    ردحذف