تختلف شخصيات الناس
وانماط تفكيرهم باختلاف أنظمة التربية التي تلقوها وبمجموعة الخبرات التي اكتسبوها
طوال حياتهم الأمر الذي ينتج لنا مزيجا من البشر ينقسموا في اعتقاداتهم وتفكيرهم بين
الإيجابية والسلبية. للأسف ومما لا شك فيه ان السلبية في التعاطي مع الأمور هي من
أكثر ما نعاني منه اليوم في العالم اجمع بشكل عام وفي بلدنا الحبيبة بشكل خاص. تلك
العقليات السلبية التي دائما لا ترى الا السواد في جميع الامور، قد لا تؤثر على
نفسها فحسب بل في الجو المحيط بها ايضا وبشكل معدي. وهناك ايضا العجز الذي لا يدفع
الكثيرين منا لعمل شيء مفيد في المجتمع او في العمل بحجة اليأس من الأوضاع او
القوانين أو فقط بسبب الكسل والرضى بالقليل. ناهيك طبعاً عمن يرى الرأي رايه دائما
أو يلاحظ الخطأ امام ناضريه ولا يسعى لتغييره أو يتعدى ذلك بالمشاركة في الخطأ
بحجة ان الدنيا تمشي هكذا. تلك صنوف من أنواع السلبية التي بدأنا نعاني منها في
بلدنا الحبيبة عمان تجعلنا نتساءل ليس فقط عن الحلول بل في أسباب تكون مثل هذه
الشخصيات والعقليات الغير منتجة والتي قد تكون من صنع أيدينا في بعض الأحيان، مما
قد ينطبق عليها قول الامام الأوزاعي "اذا اراد الله بقوم شرا اعطاهم الجدل
ومنعهم العمل".
تشير
بعض الدراسات الحديثة الى تدهور الإنتاجية لدى الموظف العربي بشكل عام بحيث أصبحت
في بعض الأحيان لا تتجاوز النصف ساعة يوميا بالرغم من حصولهم في اغلب الأحيان على
تقييمات ممتازة لأدائهم السنوي من رؤسائهم. ففي الوقت الذي نحاول ان نجبر موظفينا
بالحضور والانصراف في اوقان معينة (7 الى 8 ساعات يوميا)، هل يا ترى ركزنا في
مستوى انتاجيتهم في هذه الفترة وأسباب تدنيها؟ كم من الموظفين الذين لا يضيفون
شيئا في العمل وفوق ذلك فهم يتذمرون من قلة العلاوات والحوافز؟ لا اريد اليوم ان
أركز على موضوع الإنتاجية بقدر ما اريد ان اناقش أسباب تدهور العقليات الإنتاجية
الإيجابية لدينا ووضع الحلول لها. كم من الطلبة الدارسين داخل أو خارج السلطنة
الذين تلقوا تعليما جيدا وتخرجوا بهمة عالية للمشاركة في بناء هذا الوطن نراهم
اليوم بعد سنين معدودة من العمل الحكومي (خصوصا) خائري القوى ضعيفي الهمة؟ أليست
هذه مصادر وكفاءات مهدرة علينا النهوض بها ووضع الحلول الجذرية لنجنب أجيالنا
القادمة هذا الوباء؟ جميعنا نعلم المقولة الشهيرة للرئيس الراحل جون كيندي
"لا تسأل عما تقدمه لك بلدك بل اسأل عما تقدمه انت لها" والتي تحض الناس
بقدر ما يتفكرون في حقوقهم الوطنية ان يتفكروا في واجباتهم ايضاً. ما هي واجباتنا
تجاه البلد كموظفين وآباء وطلبة ومعلمين ودعاة وما الى ذلك؟ الا ترانا قد أسرفنا
في طلباتنا من الحكومة بالمقارنة مع انتاجيتنا المهنية والاجتماعية؟ ماذا قدمنا
لهذا البلد لنستحق كل ما نحاول الحصول عليه؟ هل المواطنة في جواز السفر أم هي طيف
من المسؤوليات الاجتماعية والعملية علينا تحملها بكفاءة وأمانة؟ نعلم بأن لكل
قاعدة شواذ ولكن الى متى ستكون الإيجابية هي الشذوذ والسلبية هي الطبيعة؟
تشير
بعض الدراسات الغربية الى ان اهم عوامل العادات والتفكير السلبي لدى البشر هو في
المعتقدات التي يتربى عليها الانسان. فإن استطعنا تنمية الفكر لدى الناس اجمع
وخصوصا لدى الناشئة سنستطيع تحسين السلبية في المجتمع. طبعا يلعب هنا التعليم
والاعلام دورين مهمين جدا في بث القيم الإيجابية التفاؤلية بدلا من سلسلة البرامج
والمسلسلات الكئيبة التي نراها على شاشاتنا العربية. أظف الى ذلك ان معتقداتنا
اليوم أصبحت تتأثر بتجاربنا في الحياة سواء كانت سيئة ام إيجابية، فالعقل البشري يبني
على آخر تجربة وسلسلة التجارب الغير ناجحة مع جهة من الجهات الحكومية يولد نظرة
سلبية عن تلك الجهة قد تعمم على بقية الجهات ان لم نحسن استيعابها. يأتي هنا دور
الجهات الاهلية الأخرى في إعطاء المواطن بصيص امل في التغيير من خلال سياسات صارمة
واضحة تدعو للإنتاجية والامتياز في العمل بدلا من محاولة إخفاء العيوب وتبرير
الأخطاء. نقصد هنا مجلس الشورى والرقابة المالية للدولة والادعاء العام والقضاء
بشكل عام. لا ندعو هنا بأن يستبدل الناس نظاراتهم السوداء بأخرى صفراء ليروا كل
شيء مشرق، فهذا كمال وسذاجة في التعاطي مع الأمور ولكنها دعوة للوسطية والتعقل في
وزن الأمور وانتهاج التفكير الإيجابي في وضع الحلول بدلا من التذمر. للأسف أرى
شخصيا بأن جهود الحكومة اليوم في توفير معظم متطلبات المواطن العماني قد يكون لها
مردود سلبي على الجيل القادم. فالقدرة على تحمل المسؤولية هي من اهم صفات الانسان
العماني التي نعول عليها في اجيالنا القادمة، فهل يا ترى نظام التعليم في البلاد
اليوم ونظام التوظيف والتدريب وعدم تكاتف بقية الجهات العامة والخاصة في تنمية
الفكر لدى الناشئة فد ينتج لنا في المستقبل جيلا اتكاليا يفتقد لمهارات الاعتماد
على النفس؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق