من أهم قطاعات العمل اليوم والتي لا تستطيع جميع المؤسسات العمل بدونها ناهيك عن الأفراد هي التقنية بأنواعها. فالتقنية تعتبر أساس التنافسية اليوم في كثير من الأحيان ومصدر المعلومات الداعمة للقرار ومحرك عمليات التطوير والإبداع. للأسف لا تخلو التقنيات الحديثة من الجوانب السلبية والتي قد لا تخفى على أحد اليوم خصوصا تلك التي تعنى بالجانبين الصحي والاجتماعي للمستخدم. من أهم السلبيات أيضا والتي قد يعدها البعض من الإيجابيات أحيانا هي التطور السريع والملحوظ في هذا القطاع مما قد يجعل جديد اليوم قديم الغد. نعم إخواني القراء فتهافت كبرى شركات التقنية لتقديم جديد التقنية والتنافس في ذلك جعل المستهلكين الأفراد والمؤسسات في مأزق وحيرة. فعادة ما تأتي المنتجات الجديدة بمجموعة من المميزات الجديدة مصحوبة بكم هائل من الدعاية والإعلانات تهدف لإقناع المستخدم الفرد على تحديث مقتنياته التقنية. انظر مثلا كيف تصرف وتسرف شركات التقنية كشركة سامسونج وأبل على التسويق والدعاية، فقد أظهرت أحدث الدراسات مؤخرا والتي قامت بها شركة كانتار للإعلام المختصة في البحوث الإعلانية والتسويقية تفوق شركة سامسونج على شركة أبل في حملات الإعلان والدعاية في العام الماضي. فقد صرفت الشركة الكورية في الدعاية والتسويق ما قيمته 401 مليون دولار فقط في الولايات المتحدة بالمقارنة مع 333 مليون دولار صرفتها شركة أبل. كل ذلك مما يساهم في جذب وتحفيز العديد من الزبائن لشراء جديد التقنية باستمرار بشكل معدٍ أحيانا. أما بالنسبة للشركات فالمسألة أصبحت مسألة حياة أو موت، فتطور التقنية تعني أن هناك دائما فرصة لتبني الجديد قبل الشركات المنافسة والذي عادة ما يأتي بفرص أفضل للتنافس وأكثر كفاءة. فلسان حال أغلب الشركات يقول إنه لم نستفد من هذه التقنيات الجديدة لربما استفادت منها المؤسسات المنافسة بشكل يعطيها تقدما تنافسيا أو حصة سوقية أكبر. كل هذا التطور التقني له مردوده أيضا على شركات التقنية إيجابا وسلبا، فبالإضافة إلى المردود الإيجابي المادي هناك أيضا آثار سلبية باتت تظهر لنا مؤخرا تدور حول توقعات المستخدمين المتزايدة ونضج التقنية بشكل عام. فكيف يمكن يا ترى لأي شركة اليوم أن تستوعب توقعات الزبائن العالية بشكل يبقيها دائما في تقدم وتطور بعيدا عن مرحلة النضج التي قد توحي أحيانا بالانهيار؟
دشنت شركة سامسونج الخميس الماضي نسختها الرابعة من جهاز الجالكسي في الولايات المتحدة الأمريكية بشكل يستهدف بالدرجة الأولى منافسة شركة أبل الأمريكية وتحديدا جهاز الآيفون في عقر داره. ما يهمني في هذا الموضوع هو ردة فعل معظم الزبائن والتي كانت محبطة بشكل عام خصوصا مع تنامي سمعة شركة سامسونج من ناحية الإبداع والتطوير. لا نعني هنا بأن الجهاز لم يأتِ بجديد، على العكس تماما فهناك مزايا كثيرة ومهمة نستطيع أن نطلق عليها بأنها ابتكار في حد ذاتها ولكن ولأول مرة فاقت توقعات المهتمين والخبراء جديد الشركة وليس العكس. فأغلب المتابعين توقعوا إبداعا يشمل الجهاز قلبا وقالبا ولم يجدوا في الجهاز الجديد إلا تطورا في الشكل والمزايا لم ترتقِ لمستوى توقعاتهم خصوصا أن اكثر التغييرات شملت جانب البرمجيات والتي ربما ستتاح للأجهزة القديمة على شكل تحديث. لذلك أظهرت ردة الفعل الأولية للكثير من الكوريين انفسهم والذين طالما وقفوا خلف أجهزة سامسونج ضد الشركات المنافسة كشركة أبل إحباطا عاما بنسبة ٤ إلى ١. هذا السيناريو نفسه حصل أيضا مع شركة أبل عند تدشينها لجهاز الآيفون بنسخته الخامسة. فقد توقع محبو هذا النوع من الأجهزة إبداعات هي أقرب للحلم منها للتطبيق والواقع والتي أفرزتها لنا الكثير من مقاطع الفيديو المفبركة التي انتشرت قبل موعد التدشين بأسابيع. الأمر الذي يدل على أن سرعة تطور التقنية قد يصاحبها أيضا تطور كبير في توقعات المستخدمين لا تستطيع مجاراتها كبرى شركات التقنية، مما قد يشير إلى وصول هذه الشركات أو منتجاتها إلى مرحلة النضج وهي المرحلة التي قد تؤذن بالسقوط التدريجي.
تهدف شركات التقنية إلى تنويع منتجاتها ومحاولة إيجاد الشراكات الاستراتيجية من اجل تحقيق الديمومة في التنافسية والربح. فهناك توجه جديد من شركة سامسونج بتدشين أجهزة هواتف محمولة بأنظمة تشغيل خاصة بها بدلا من اعتمادها الحالي على أنظمة اندرويد من جوجل وويندوز من مايكروسوفت.من جانب آخر، نرى أيضا أن شركة ابل قد أجبرت على تدشين آيباد صغير وآيفون بشاشة اكبر بعد أن اثبت هذا التوجه نجاحا في أجهزة الشركات الأخرى. لذلك أرى أن شركات التقنية تحتاج أحيانا لأخذ استراحة محارب خصوصا وهي تحاول سنويا تقديم الجديد، حتى يتسنى لها إعادة النظر في استراتيجياتها وتقييم منتجاتها بشكل يضمن لها الاستمرارية في العطاء. فهل يا ترى ما نلمسه الآن من بطء نسبي في الإبداع التقني لدى شركات التقنية هو مجرد استراحة محارب بدأت مع شركة ابل والآن مع شركة سامسونج؟ وإن كان ذلك صحيحا، فماذا عسانا نرى قريبا من إبداعات جديدة من شركة ابل الأمريكية بعد أخذها لهذه الاستراحة؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق