انتشر بيننا مصطلح البنية الأساسية بشكل كبير وصار جزءا لا يتجزأ من معظم
مشاريعنا وخططنا التنموية الخمسية والاستراتيجية على حد سواء. الامر الذي
جعلنا نظن بأنه هدف في حد ذاته بدلا من ان يكون وسيلة للوصول الى اهداف
أكبر. ليس ذلك فحسب فمفهوم البنية الأساسية قد لا يكون واضحاً لأغلبنا، فهو
للبعض ليس الا مجموعة من المشاريع الوطنية التي توفر الخدمات الأساسية
للمواطنين كخدمات الصحة والتعليم مثلاً، في حين يعتقد البعض أن البنية
الأساسية هي مجموعة من القطاعات الاقتصادية كقطاعي النقل والاتصالات مثلاً
والتي تعنى عادة بجذب وتشجيع الاستثمارات. بغض النظر عن التعريف الا انه من
الأهمية بمكان ان نعلم أن البنية الأساسية هي عماد التنمية وأساس التطور
بحيث ترتكز عليها جميع مشاريع البلاد الاقتصادية. اضف الى ذلك أيضا انه من
المهم علينا اليوم ان نربط بين خططنا الاستراتيجية والاقتصادية وبين مستوى
التطوير في بنيتنا الأساسية بشكل يوفر علينا لاحقا الكثير من الجهد
والمصادر والوقت. فالشاهد هنا ان تصبح مشاريع البنية الأساسية في السلطنة
مربوطة بمستوى التقدم والتطور المنشود على الأقل في الثلاثين عاما القادمة.
فمن المستغرب ان نرى خططنا التنموية اليوم ما زالت تتمحور وبشكل كبير حول
تكملة البنية الأساسية في البلاد، فمتى سنبدأ عمليات التطوير إذن؟ وهل يا
ترى تستطيع بنيتنا الأساسية الحالية استيعاب متطلبات التنمية المستقبلية
بعيدة الأمد؟
إذا تأملنا في مصطلح البنية الأساسية نجدها بكل بساطة هي مجموعة الخدمات والقطاعات الاقتصادية والاجتماعية التي تسبق كل أنواع مشاريع التنافسية بين الدول. فلا يمكن أن ننافس الدول الأخرى في قطاع التعليم مثلا إلا إذا انتهجنا تطوير اقتصاد معرفي كخطة تنافسية استراتيجية. فالتعليم في حد ذاته كبنية أساسية هو قطاع لابد منه ولا غنى عنه في تطوير بقية القطاعات التي تحتاج للكوادر الوطنية المدربة والقادرة على العمل بكل كفاءة. فاذا تطور دور التعليم في البلد الى جذب طلبة العلم من الخارج او تصدير العقول والكوادر الى الخارج تعدى كونه من قطاعات البنية الأساسية الى أحد مشاريع التنافسية الدولية. لذلك فمن الأهمية بمكان كما أسلفنا ان نعلم أن جودة وكفاءة المشاريع التنافسية تعتمد وبشكل كبير على مقدرة البنية الأساسية على استيعابها، مما يحتم علينا ضرورة ربط خططنا الاستراتيجية بعيدة الأمد بمشاريع البنية الأساسية. فهي أشبه بالقواعد الاسمنتية للبنايات المعمارية والتي يتفق عليها مقدما مع المهندسين المعماريين، فإن كان الاتفاق على بناية مكونة من ثلاثة طوابق سيصعب علينا لاحقا أن نضيف طوابق إضافية دون ان نزيد في متانة القواعد. على بساطة هذا المثال، الا انه مشابه تماما لأنواع البنى الأساسية في البلاد. الأمر الذي يؤكد على أهمية البنية الأساسية في دعم مشاريع البلاد التنموية الاقتصادية والاجتماعية ذات البعد الاستراتيجي بشكل يضع في عين الاعتبار احتياجات الأجيال القادمة ومختلف قطاعات البلاد بشكل عام. فهل هذا يا ترى هو ما نراه يحدث في واقعنا اليوم؟ فإن كانت الإجابة بنعم، فلماذا ما زلنا بعد أكثر من أربعين عاما من النهضة المباركة نرى استمرارية في مشاريع البنى الأساسية؟ أهي احتياجات جديدة تتطلب تطويراً في البنية الأساسية في البلاد بشكل يدل على افتقارنا للتخطيط الاستراتيجي سابقا؟ وأهم من ذلك، متى سيبدأ التطوير الفعلي ان كنا ما زلنا في مرحلة استكمال البنية الأساسية في البلاد؟
ذكرت مرارا وتكرار من خلال مقالات سابقة وفي العديد من الندوات والحوارات
التي حضرتها بشكل رسمي وشخصي أن بلدنا تحتاج لخطة استراتيجية شاملة جديدة
بدلا من رؤية 2020 تصاغ فيها وجهتنا المستقبلية في المرحلة القادمة في ظل
المتغيرات الحالية محليا ودوليا.
ترتكز هذه الاستراتيجية على تصور المستوى الدولي والمحلي الذي نريد ان نصل
اليه بعد ثلاثين عاما مثلاً. عندها فقط نستطيع ان نوفر على أنفسنا الكثير
من الجهد والتخبط عند شروعنا بوضع خططنا قصيرة الأمد (الخمسية). الامر الذي
سيساعدنا في تصور حجم ونوعية البنية الأساسية الواجب العمل عليها اليوم
لدعم وخدمة مشاريع البلاد التنافسية والخدمية لثلاثين عام قادمة. انظر الى
صعوبة العمل المشترك التي نعانيها اليوم بين مختلف الجهات الحكومية بما
يتسبب في تأخير الكثير من مشاريعنا الحكومية التنموية. هل حددنا معالم
السلطنة بعد ثلاثين عاما من الآن بأنها ستصبح الدولة الأولى سياحيا في
المنطقة مثلا أو أنها ستكون نقطة التصدير والاستيراد لدول الخليج أجمع أو
أنها ستكون بوتقة التطوير التقني في المنطقة أو السمكي أو غيرها من
القطاعات؟ ماهي القطاعات التي سنعول عليها اذا ما نضب النفط من بلادنا؟
للأسف لا ندري أي وجهة نحن سالكون والذي يعزى كما اسلفت لافتقارنا للرؤية
الاستراتيجية المشتركة في العمل. تلك الرؤية التي ستضع للبلاد اهدافا محددة
قابلة للقياس تتكامل فيها مختلف دوائر الحكومة لتحقيق اهدافها من خلال
استراتيجيات خاصة لهذه الجهات تنحدر من الاستراتيجية الشاملة للدولة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق