تحدثنا في مقالة الأسبوع الماضي عن أهم الأزمات أو القضايا التي تعصف بالمجتمع العماني والتي اجملناها في قضية الفكر التي تتحكم في سلوكنا الإيجابي والسلبي على السواء. الامر الذي يحتم علينا اليوم دراسة فكر الناشئة والشباب ومحاولة فهم قضاياهم الخاصة والتي بكل تأكيد تختلف عن قضايانا عندما كنا في مثل أعمارهم. فالهدف هنا هو تجهيز الجيل القادم بكل ما يحتاج من المعرفة والمهارات والفكر اجمالا لجعله قادرا على تحمل المسؤولية وتكملة مشوار التنمية المستدامة في البلاد بكل فاعلية وكفاءة. الغريب في الامر ان التاريخ يكاد يعيد نفسه في نظرة الأجيال لبعضها البعض. فجيل آبائنا وأجدادنا لطالما تغنى بإيجابيات الحقبة الزمنية التي عاشها وكيف استطاعوا ان يعملوا بجد في ظل الظروف الصعبة آنذاك بالمقارنة مع ترف وتكاسل جيلنا الحالي. نرى ذلك يتكرر في جيلنا اليوم حيث يعمد الكثير منا الى عمل المقارنة نفسها بين تجربة الجيل الحالي وجيل الناشئة من الشباب والابناء بحيث يراهم الكثيرون غير مبالين وربما مشتتي التفكير والتركيز. بغض النظر عما يدور في خلجنا اليوم عن الجيل القادم، هناك حقيقة يجب علينا ان نعلمها وهي اننا حتما لا محالة سنعطيهم الراية عاجلا ام آجلا وعلينا ان نعمل على حل قضاياهم بدلا من الوقوف موقف المتذمر. هذه رسالة لكل مسؤول في البلاد ليعمل على تجهيز من هم أدنى منه اليوم فكرا وعلما ليستطيعوا ان يحلوا مكانه يوما ما وليتنحى كذلك من لا يرى في نفسه الكفاءة ويتيح الفرصة لمن هم أكفأ منه، «رحم الله امرؤ عرف قدره ووقف عنده». فالجيل القادم هم مستقبل هذه البلاد شئنا ام ابينا ولذلك علينا ان نركز اهم استثماراتنا عليهم أولا وبعد ذلك على القطاعات الحيوية الأخرى. فما أسهل ان يضيَع الأبناء التركة ان لم يحسن الآباء تربيتهم وتنشئتهم بالشكل الصحيح.
صدرت في مطلع هذا الشهر نتائج استبيان الشباب العربي لعام 2012 والتي تقوم بها شركة (ASDA’A Burson-Marsteller) سنويا لقياس النمط الفكري بين شباب العرب بشكل عام والخليجي بشكل خاص. أجرت هذه الدراسة مقابلات مع أكثر من ثلاثة آلاف شاب عربي من 15 دولة عربية من بينها السلطنة وكان التركيز على مسقط والباطنة لسؤالهم عن آمالهم وتطلعاتهم وقضاياهم الخاصة. بينت هذه الدراسة قضايا مهمة لدى الشباب العربي بشكل عام والعماني بشكل خاص أولها انهم يؤمنون بأن المستقبل أفضل من الماضي خصوصا بعد أحداث ما يسمى بالربيع العربي. فثقتهم بما هو قادم وبمواقف حكوماتهم اليوم أفضل مما كان عليه في السابق مما يشير أيضا الى أن ثقتهم في مسؤوليهم بدأت تزداد بفضل الزيادة الملحوظة في مستوى الشفافية والمحاسبة القانونية في مختلف البلدان. تبين الدراسة أيضا زيادة في إحساس الشباب الوطني وواجبهم تجاه دولهم مما يدل على أنهم اليوم أكثر حماسة ورغبة في خدمة الوطن عما سبق، مما يتيح المجال لأصحاب القرار لاستغلال هذه الطاقات وتوجيهها بشكل فعال من خلال مشاريع وطنية قومية. اما عن قضاياهم التي تؤرقهم فأهمها موضوع الرواتب والتعويضات العادلة والذي يجب ان تراعي نوع العمل ومستواه وليس نوع جهة العمل ومستواها والتي نجدها جلية في السلطنة فهناك اختلاف في رواتب بعض المؤسسات الحكومية مع تشابه الوصف الوظيفي للموظفين. تأتي كذلك قضايا الحصول على مسكن مناسب وهاجس الزيادة في مصاريف الحياة ومقارنة الشباب المستمرة بين دولهم وبعض الدول الخليجية وعلى رأسهم دولة الامارات العربية المتحدة من اهم القضايا التي تشغل فكر الشباب العربي والعماني أيضا، ناهيك أيضا عن أهمية شبكات التواصل الاجتماعي في نشر الاخبار بين فئة الشباب وفي تكوين بعض جوانب الفكر وصنع القرار. من جانب آخر، قامت شركة (booz&co) في عام 2010 بدراسة مشابهة حول فكر وقضايا الشباب الخليجي فقط والتي تلخصت اهم جوانبها حول مستوى التعليم المتدني وهاجس الحصول على وظيفة والفرق المتزايد في الكفاءة بين الذكور والاناث سواء على مستوى الدراسة او العمل.
كل هذه النتائج تجعلنا اليوم امام مفترق طرق مهم في وضع استراتيجياتنا القادمة والتي يجب ان تراعي فكر الشباب وقدراتهم وضرورة تأهيلهم بالمهارات المطلوبة والكفاءات اللازمة بنفس القدر الذي نهتم بها بالتخطيط لمشاريعنا الاقتصادية الحيوية. فمستوى التعليم وفجوة الكفاءة بين الجنسين بدأت تؤتي أكلها وبات الشباب العماني يطالب الحكومة اليوم بوظيفة جيدة ورواتب ملائمة ومسكن مناسب ويعتبر ذلك حقا من حقوقه، فماذا ان لم تستطع الحكومة في يوم من الأيام توفير كل ذلك؟ كيف سيكون تفهم الجيل القادم للأوضاع وقدرتهم على الاعتماد على الذات للحصول على ما يريدون؟ وماذا نحتاج اليوم لنصنع من الجيل القادم، جيلا قادرا على إيجاد الفرص بدلا من انتظارها؟