الجمعة، يناير 15، 2010

الفجوة الرقمية

سبق وأن تحدثنا في أحد الدروس السابقة عن الفجوة الرقمية كأحد المعوقات الغير فنية للحكومة الإلكترونية. يعتبر هذا الموضوع أزمة عالمية في حد ذاته خصوصاً عند إستخدام التطبيقات التقنية للتعامل مع مختلف شرائح المجتمع. فلا تخلو بلد في العالم أجمع إلا وقد عانت ولا تزال تعاني من كيفية التغلب على هذه الأزمة. فإستخدام التقنية لم يعد خياراً في كثير من الأحوال وأحدنا اليوم لا يستطيع أن يتخيل كيف كنا نعيش قبل فترة ليست ببعيدة بدون هاتف محمول أو إنترنت سريعة. فوجود التقنية مربوط بظهور ما يسمى بالفجوة الرقمية الذي سنحاول اليوم في درسنا هذا مناقشة بعض أبعاد هذا الموضوع الشائك والذي يعد من أهم قضايا الحكومة الإلكترونية.


يعتقد الكثيرين بأن الفجوة الرقمية هي إختلاف قدرات أفراد المجتمع الفنية في إستخدام التقنية الحديثة، فهناك المتعلم المتدرب الملم بكيفية الإستخدام وهناك من لا يستطيع التفريق بين الفأرة ولوحة المفاتيح. كلام جميل ولكنه قاصر على نوع واحد من أنواع الفجوة الرقمية، فهناك نوعين آخرين مهمين كذلك. النوع الثاني هو عدم قدرة بعض الفراد على الوصول أو الحصول على التقنية إما لأسباب جغرافية كأن يكون مكان سكناهم في مناطق نائية لا تصل لها خدمات الإنترنت والهاتف المحمول، أو لأسباب مادية بحيث لا يستطيع الفرد تحمل تكاليف شراء الأجهزة اللازمة (الحاسوب) ودفع قيمة الإشتراكات المطلوبة (الإنترنت) أو الإثنين معاً. أما النوع الأخير والذي يعتبر الأكثر تعقيداً هو إختلاف الإهتمامات في إستخدام التقنيات الحديثة، فهناك من هو على دراية بإستخدام الحاسوب والتقنية بصفة عامة ويستطيع الوصول للخدمات الإلكترونية مادياً وجغرافياً ولكنه يفضل الذهاب بنفسه أو إستخدام من ينوب عنه لتنفيذ المعاملات الحكومية. تختلف الأسباب لذلك، فهناك من ينظر للموضوع من زاوية أمن وسرية البيانات، وهناك من يفتقد الثقة في الجهة المطورة أو المتبنية للتقنية وهناك من فقط يود الإجتماع بالناس والخروج من ملل الجلوس لفترات طويلة أمام الحاسوب. فكيف تستطيع الدول التعامل مع جميع هذه الفئات؟


من أهم ما يزيد حدة الفجوة الرقمية في البلاد هو عدم إستكمال ضروريات الحياة كالماء والغذاء والكهرباء والصحة والتعليم. فالدول التي تعاني من أحد أو جميع هذه الجوانب لا نستطيع أن نتوقع منها ولا من مواطنيها الكثير في تقليص الفجوة الرقمية. أضف إلى ذلك إختلاف الثقافات بين الشعوب والتي قد ينشأ عنها فجوة رقمية ليس فقط بين الأفراد ولكن أيضاً بين الجنسين (الذكور والإناث)، فبعض المجتمعات تنظر لموضوع التعليم والعمل بنظرة ذكورية في حين يجب على المرأة فقط أن تهتم بشؤون المنزل والأطفال. الأمر الذي يجعل من مبادرات كبرى الدول في تقليص الفجوة الرقمية عن طريق تكوين الصناديق المالية ليس بالأمر السهل. فالموضوع لا يقتصر على توفير جهاز حاسوب وشبكة إنترنت لاسلكية ربما عن طريق الأقمار الصناعية فحسب بل يتعداه إلى كيفية إحداث نقلة نوعية في المستوى المادي والإجتماعي في هذه البلدان. من جانب آخر تقوم بعض الدول بتخصيص شركات الإتصالات ومحاولة خلق بيئة تنافسية لما فيه مصلحة المستخدمين بدون وضع ضوابط وسياسات معينة لهذه الشركات. الأمر الذي قد يؤدي لزيادة الفجوة الرقمية خصوصاً ذلك المرتبط بالنواحي الجغرافية والمادية. فأي شركة هدفها الربح أولاً وأخيراً الأمر الذي يجعلها تدرس جدوى المشاريع قبل تنفيذها. فلا أعتقد بأن فكرة مد أعمدة بث هاتفية أو شق قنوات أرضية لكابلات بصرية عبر جبال شاهقة أو أودية ساحقة أو صحارى شاسعة لمجرد توفير خدمة الهاتف المحمول والإنترنت لمجموعة صغيرة من الأفراد بذات جدوى لأي شركة! الأمر الذي قد يضطر بعض الدول لعرض مساعدات حكومية مالية لهذه الشركات بغرض توفير الخدمات المذكورة في الأماكن النائية.


ختاماً، تقوم دول العالم بتبني بعض الحلول لتقليص هذه الفجوة الرقمية بإختلاف أنواعها ولعل من أهمها شيوعاً هو التعليم والتدريب المستمر على التقنية الحديثة. ففي السلطنة قامت هيئة تقنية المعلومات بتنفيذ مشروع مراكز المجتمع المعرفية والتي تهدف من خلاله إلى تكوين مجتمع رقمي في السلطنة. يجب التنبيه هنا إلى أن الأمر يجب ألا يقتصر فقط على التعليم الفني دون ربط ذلك بأهمية شخصية للمتدرب لضمان الإستمرارية في الإستخدام. فمن السهل أن ينسى الفرد ما تعلمه إن لم يستمر في الممارسة والتي تعتمد كثيراً على إهتمام وحب المتعلم بالتقنية. الأمر الذي لا يتأتى إلا عند إحداث رابط مباشر بين التقنية وتحسين أسلوب حياة المتدرب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق