لا يعترف معظم الناس بإخفاقاتهم وأعمالهم الخاطئة إلا ما ندر، ناهيك
عن المبادرة بالاعتذار والتي هي من اشد وأصعب الاعمال على النفس البشرية. لذلك اود
في بداية هذه المقالة ان اتوجه لكم أخواني وأخواتي القرّاء ولجميع الناس الذين
اعرف ولا اعرف بالاعتذار عن اي خطأ متعمد أو غير متعمد بدر مني عمليا او لفظيا او
كتابيا واحب أن أذكركم بقول المولى عز وجل في سورة الشورى "فَمَنْ عَفَا
وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ" وقوله ايضا في نفس السورة
"وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ". فأعوذ
بالله أن أذكركم بشيء وأنساه أو أن أكون جسرا تعبرون عليه الى الجنة ثم يلقى في
النار. فثقافة الاعتذار وإن صعبت على النفس إلا أنها تجسد أرقى التعاملات
الاجتماعية وتدل على حسن خلق الناس وطيب معادنهم. على عكس ما قد يظن البعض من أن
في الاعتذار والاعتراف بالخطأ ضعفا وقلة حيلة ومسكنة. لذلك لا يعتذر إلا من استحكم
على نفسه الامارة بالسوء ونجح في تهذيبها وتعامل مع الآخرين بكل احترام ولم يتكبر
على تقبل الحق، فقد جاء في صحيح مسلم عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "لا
يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر"، قال رجل: إن الرجل يحب أن يكون
ثوبه حسناً ونعله حسناً، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله جميل يحب
الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس". ومعنى بطر الحق هنا هو دفعه وإنكاره
ترفعاّ وتجبراّ وهو ما نحن بصدد الحديث عنه اليوم.
لن أقوم هنا بمناقشة الاعتذار الاجتماعي ولكني احب ان اتحدث عن مبدأ الاعتذار التجاري بين الشركات والمؤسسات المختلفة بعضها من بعض وايضا بينها وبين بقية الناس (المستهلكين والزبائن) بشكل عام. فكم يا ترى سمعنا عن مؤسسات حكومية أو تجارية بالسلطنة تعتذر عن أخطاء بدرت منها في حق مؤسسات اخرى او في حق المواطنين؟ وكم هي عدد المرات التي قام فيها احد المسؤولين سواءً في الشركات أم المؤسسات الحكومية بالاعتذار عن تصرف سيئ من احد الموظفين التي تندرج مسؤوليته تحت مسؤولية ذلك المسؤول؟ أو عن اخطاء في أحد الخدمات المقدمة للناس؟ أو في سوء اختيار للموظفين نتج عنه انخفاض في انتاجية العمل؟ أو في قرارات خاظئة نجم عنها خسائر مادية؟ لماذا لا نرى ذلك شائعا بيننا يا ترى؟ هل نحن جميعنا باختلاف وظائفنا ومسؤولياتنا مبرؤون من الخطأ في العمل؟ ألا تعاني بلدنا حالها حال بقية بلدان العالم من العديد من القضايا والاخطاء العملية والتي هي نتاج أخطاء أفراد ومجموعات؟ الا يعلم هؤلاء بأنهم على خطأ أو أنهم يعلمون ويصرون على أخطائهم؟ أهي مسألة كرامة أم خوف من المحاسبة أو ترفع ذميم يزيد الطين بلة؟ الامر الذي نراه يزداد اثراً كلما بدر الخطأ من أصحاب المراتب العليا، فتأثيرهم أوجع وأشمل والذي قد يؤثر في الآخرين بشكل مباشر وغير مباشر من باب الاقتداء. فبدلا من أن ننتهج ثقافة الاعتذار بيننا وننشرها بين مختلف شرائح الناس والمؤسسات، أصبحنا نكابر احيانا أو نستحي من الافصاح عن أخطائنا مما يزيد الامور سوءا ويعقد اعمال الاصلاحات الاقتصادية التي تنتهجها البلاد.
قام الرئيس التنفيذي لشركة أبل والتي تعتبر اليوم أكبر شركات العالم من ناحية القيمة السوقية يوم الجمعة الماضية بالاعتذار لجميع المستهلكين عن تطبيق الخرائط الجديد التي قامت الشركة بتطويره في نظامها الجديد (iOS6) بدلا من تطبيق خرائط جوجل الذي كان يأتي في نسخ الايفون السابقة. فقد ابدى العديد من ملاك الجهاز الجديد (الأيفون 5) استياءهم من هذا التطبيق الجديد عند تجربتهم له مما حرى بالشركة ليس فقط بالاعتراف بالخطأ والاعتذار منه، بل بتقديم النصح للمستلهكين باستخدام تطبيقات منافسة والاشارة اليها بالإسم كتطبيق جوجل للخرائط وتطبيق مشابه ايضا من نوكيا. كما قامت الشركة ايضا بتقديم النصح بشراء بعض التطبيقات من متجر التطبيقات الخاص بالشركة ريثما يتسنى للشركة تعديل الاخطاء في تحديثها القادم. ففي الوقت الذي قد يستغل هذا الحدث بعض المنافسين والمغرضين للتشفي من الشركة وانها على وشك الانهيار وخسارة الكثير من الزبائن، أرى شخصياً أن هذا الحدث يزيد من مكانة الشركة في قلوب المستهلكين بل يكبرها ايضا امام الشركات الأخرى. فهي بذلك تعترف بأخطائها واحترامها لذاتها ولزبائنها مما يقوي مصداقيتها في المستقبل. كما انه من النادر اليوم أن نجد من المؤسسات التجارية (ناهيك عن المؤسسات الحكومية) من تحاول أن تتابع باهتمام آراء زبائنها لمحاولة خدمتهم بكل عناية وأمانة وإن تطلب الامر ان تقترح عليهم شراء أو استخدام منتجات لشركات منافسة. لا يعتبر هذا الدرس حكرا علينا نحن في السلطنة ولكن يعتبر مثلا يقتدى به عالميا بما فيه ايضا الاقتصاد الامريكي. فالعديد من الشركات التجارية لا تقوم بالاعتذار إلا إن خشت الملاحقة القانونية، ومن أمن العقوبة فقد يمتد به الحال إلى التمادي في الخطأ إلى ان يقع الفأس في الرأس ولنا في شركة إنرون (Enron) الأمريكية عبرة في هذا الشأن. لذلك علينا أن نشجع وننشر بيننا ثقافة الاعتذار بدءا بالبيت و انتهاءً بالعمل "فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته".