السبت، يناير 01، 2011

التعليم من أجل الوظيفة

(نشرت هذه المقالة في موقع مدارسنا.نت (www.madarisna.net) في قسم تربويات في السابع من شهر ديسمبر لعام 2010م)

كثيراً ما نرى جدلاً بين الناس حول ضرورة التعلم من أجل التعلم لا من أجل الوظيفة. فالفكرة هنا تقتضي من الطلاب سعياً معرفياً بحتاً وحباً في العلم والمعرفة بغض النظر عن الوظيفة التي قد يسعدوا بإقتنائها عاجلاً أم آجلاً. ففكرة ان يتعلم الشخص منا سعياً للحصول على وظيفة معينة قد لا يستسيغها بعض الناس بسبب أن العلم هو أرقى وأجل من أن يحكر في بوتقة العمل المادي. أتفق مع هذا المبدأ بشكل عام ولكني أيضاً في حقيقة الأمر قد أختلف معه قليلاً خصوصاً عند النظر في متطلبات العصر وأحوال الناس اليوم والتحديات المستقبلية.

من أكبر مشاكلنا في الوطن العربي اليوم هو سوء التخطيط (أو عدم التخطيط) والذي يعتبر من أهم عناصر النجاح للأفراد والمؤسسات والأمم. فالعمل بدون هدف هو أشبه بأحد قائدي المركبات الذي يدور بسيارته حول أحد الدوارات لا يعلم في أي إتجاه يذهب. صدقوني أخواني القراء هناك العديد من الناس والمؤسسات لا يزالوا يلتفون إلى يومنا هذا حول دوار الحياة لا يعلمون في أي مسلك يذهبون.

يلزمنا التخطيط السليم أن نجعل نصب أعيننا هدفاً (أو أهدافاً) واجب تحقيقها في الأمد القريب والبعيد، مع ضرورة أن تندرج هذه الأهداف جميعها تحت رسالة واحدة في الحياة عبر عدة رؤىً (جمع رؤية) تشمل جميع أو أهم جوانب الحياة. ففي الجانب الديني مثلاً قد يضع أحدنا رؤية (هدف) حفظ كتاب الله في غضون 5 سنوات والسؤال المهم والمحفز في رأيي هنا هو (لماذا؟) ما هو الدافع والسبب الذي قد يجعل أحدنا يخطط لمثل هذا العمل في هذه الفترة الزمنية؟ معرفتنا لهذا السبب هو بالضبط ما سيزيد من الهمة والعزم في تحقيق هذه الغاية كدخول الجنة مثلاً أو الوصول إلى رضا الله أو الدعوة إلى الله على بصيرة أو ربما الحصول على وظيفة إمام مسجد. فبغض النظر عن ماهية الغاية المنشودة من تحقيق الأهداف فلابد لنا من وجودها وتذكرنا المستمر لها للوصول إلى أعلى الهمم وأكبر قدر من التحفيز الداخلي المستمر. فإذا كانت الوسيلة الوحيدة لتحفيز الطالب للعمل الدؤوب هي قرن العلم بالوظيفة فليكن.

أظف إلى ذلك أن أساليب تلقي العلوم وتقييمها قد إختلفت في زمننا هذا، فبتنا نقرن العلم بالدرجة العلمية وبالمؤسسة الأكاديمية التي نال منها أحدنا شهادتة العلمية. فدخول الجامعات أصبح ضرورة للحصول على شهادة تشهد للجميع بأني متعلم ولن ينظر (عملياً) فيما سوى ذلك. أظف إلى هذا كله سعي الجامعات اليوم ومؤسسات العمل إلى تقسيم الناس (علمياً وعملياً) وفق إختصاصات معينة حسب إحتياج السوق والبلدان. فعلى طالب العلم إختيار المسلك (التخصص) الذي يرغب في تعلمه والذي عادةً ما يزيد تركيزاً (عكس إتساعاً) كلما إرتقينا في شهاداتنا الأكاديمية (الماجستير والدكتوراه). فإن كان هذا هو التوجه العام اليوم بين مؤسسات التعليم العالي الذي يجبر أن يسلكه طالب العلم، فلماذا لا نقرن العلم بالوظيفة والنظام التعليمي والمهني يجبرنا على ذلك؟

نصيحتي لجميع طالبي العلم هو أن يضعوا أهدافاً لكل شيء في حياتهم بما فيها التعليم. فأفضلنا اليوم هو من يسعى لمعرفة كل شيء عن شيء واحد (التخصص) وبعض الأشياء عن كل الأشياء الأخرى (الثقافة العامة).

هناك تعليقان (2):

  1. صدقت والله يا دكتور وأنا أؤيدك في ذلك. فانا من وجهة نظري اعتبر ثقافة المرء فوق كل شي بغض النظر عن درجة التعليم. فهناك ناس ليس لديهم أي شهادة أو نقول خريجي ثانوية ولم يسعفهم الحظ لاكمال مشوار الحياة التعليمية لكن ما شاء الله لديهم من المعرفة قد لا تكون عند الطالب الجامعي.فبما نحن اليوم في عالم يشهد الكثير من تيارات الفكر المختلفة فثقافة المرء مطلوبة لمجابهة مثل هذه التيارات.

    ردحذف
  2. مقال موثر جدا ...
    مشكور دكتورنا العزيز!!

    ردحذف